ماكرون يطلق "الخدمة العسكرية الطوعية" والجيش الألماني يسعى ليصبح الأقوى أوروبيًا بحلول 2035
لم يكن إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الخميس، إطلاق خدمة عسكرية طوعية للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عاماً بدءاً من منتصف عام 2026، أمراً عادياً. فدخول البلد الذي يتوفر على أقوى جيش داخل الاتحاد الأوروبي على خط الاستعداد لنشوب حرب مع روسيا، يؤكد وجود احتمالات جدية تتجاوز حدود المخاوف.
إحياء إرث التسلح الأوروبي
تتقدم أوروبا بخطوات متسارعة نحو تعزيز قدراتها الدفاعية وسط مناخ دولي يزداد توتراً، مستحضرة إرثاً تاريخياً ثقيلاً يعود لبدايات القرن العشرين. وتدفع المخاوف من توسّع النفوذ الروسي وتراجع مظلة الحماية الأمريكية دولاً كبرى مثل ألمانيا، فرنسا، وهولندا إلى إعادة النظر جذرياً في إستراتيجياتها الأمنية من خلال:
توسيع حجم الجيوش وإحياء الخدمة العسكرية (إلزامية أو طوعية).
إطلاق خطط تعبئة مدنية واسعة النطاق.
ويرى خبراء أن هذا التوجّه لا يقتصر على الإجراءات العسكرية الصرفة، بل يمتد إلى بناء روح دفاعية داخل المجتمعات الأوروبية، في مشهد يعيد التذكير بالبُنى النفسية والسياسية التي سبقت اندلاع الصراعات الكبرى (الحربان العالميتان الأولى والثانية).
ألمانيا وفرنسا تقودان الحشد العسكري
ألمانيا: أعلن المستشار فريدريش ميرتس عن مشروع شامل لإعادة تشكيل الجيش ليصبح الأقوى أوروبيًّا بحلول 2035. ويتضمن ذلك رفع عدد القوات إلى 260 ألف جندي نشط و 200 ألف احتياطي، مع إغراءات مالية تصل إلى 2600 يورو شهرياً للمجندين.
فرنسا: أعلن ماكرون عن إطلاق الخدمة العسكرية الطوعية للشباب (18-19 عاماً) بدءاً من منتصف 2026، بهدف صقل المهارات الوطنية وتعزيز جاهزية الشباب لمواجهة أي أزمات محتملة.
هل تقترب أوروبا من حرب؟ السيناريوهات والتحديات
اعتمدت هولندا مقاربة مدنية مباشرة، حيث وزّعت الحكومة الهولندية الأسبوع الماضي كتيبات طوارئ على 8.5 ملايين منزل، تتضمن إرشادات لتخزين الماء والغذاء والأدوية لثلاثة أيام، في خطوة ترتبط بالاستعداد لهجمات سيبرانية أو توترات جيوسياسية متصاعدة.
وتشير تقارير إستراتيجية حديثة في فرنسا إلى سيناريوهات تتوقع فيها مواجهة عسكرية كبرى في أوروبا بين 2027 و2030، ما يفسّر تسارع الخطوات الدفاعية.
الخوف من الانزلاق غير المحسوب
بالرغم من تأكيد الحكومات الأوروبية أن الهدف هو الردع، وأن بوتين ينفي أي نية لغزو أوروبا، فإن تحذيرات القادة العسكريين (بما في ذلك رئيس أركان الجيش الألماني الذي يقدّر اختبار قوة الحلف خلال أربع سنوات) تُبقي منسوب القلق مرتفعاً.
ويطرح هذا المشهد تساؤلاً مشروعاً حول ما إذا كانت هذه الاستعدادات ستؤدي إلى تعزيز الردع، أم أنها قد تُقرب أوروبا من دائرة التصعيد، في وقت يسعى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للوساطة عبر مقترح من 28 نقطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. ويختبر السباق المحموم قدرة أوروبا على استيعاب دروس التاريخ وصياغة توازن يمنع الانزلاق إلى صراع شامل.
