فضيحة تسريب جلسة لجنة الأخلاقيات: موت الأخلاق في قلب "التنظيم الذاتي" للصحافة المغربية

استنكار نقابي وبرلماني: التسريبات تفضح "مجزرة أخلاقية" في لجنة الأخلاقيات

في عالم يُفترض أن يُضيء فيه الصحافيون دروب الحقيقة والمساءلة، تحولت جلسة مغلقة للجنة أخلاقيات المهنة في المجلس الوطني للصحافة إلى مرآة مكسورة تعكس انهيارًا أخلاقيًا يفوق الخيال. بعيدًا عن جدل التسريب نفسه – الذي نشره الصحفي حميد المهداوي على قناته "بديل" مساء 20 نوفمبر 2025، وأثار استنكارًا واسعًا – يبرز السؤال الأعمق: كيف يمكن لمجلس يُفترض أنه حارس النزاهة أن يغرق في مستنقع من اللغة البذيئة، الاستعلاء، والترهيب، دون أن يشعر أحد بأي مسؤولية إنسانية أو مهنية؟ هذه ليست مجرد "فضيحة"، بل عجيبة من عجائب الدنيا السبع، حيث تُقتل الصحافة باسم حمايتها، وتُدفن الأخلاق تحت رماد السلطة المطلقة.

التسجيلات المسربة، التي تُظهر مداولات اللجنة حول ملف المهداوي نفسه، ليست مجرد خلافات عابرة؛ إنها صورة لكائنات سياسية تتحدث بلغة الاغتيال والإقصاء، كأنها قادمة من كوكب "زيكولا" في رواية عمرو عبد الحميد، حيث لا مكان للإنسانية أو الحوار. ألفاظ تتجاوز الوقار – من "إيش إيش" إلى إشارات التهديد والسخرية المهينة – تكشف عن شعور بالعلو فوق المؤسسات، وفقدان تام للإحساس بالآخر. هنا، لا نتحدث عن خطأ فردي، بل عن نظام يُنتج الترهيب بدلاً من الارتقاء بالمهنة، حيث تُصبح اللجنة – التي يُفترض أنها حلقة تفاهم ونقاش – غرفة احتضار لأي أمل في تنظيم ذاتي حقيقي. وكما يقول سقراط في محاكمته، فإن "الأخطر ليس السم، بل موت الأخلاق"؛ فالسم هنا ليس في التسريب، بل في المضمون الذي يُفضح كل بوصلة أخلاقية مفقودة.

ردود الفعل: استنكار جماعي ومطالب بالإصلاح

لم يمر التسريب دون ردود فعل حادة، أثارتها هيئات مهنية وحقوقية، ووصلت إلى أبواب البرلمان. إليك أبرزها:

  • النقابة الوطنية للصحافة المغربية: أصدرت بلاغًا يوم 21 نوفمبر، تدين فيه المضمون "الخطير" للتسجيلات، معتبرة إياها إساءة لسمعة التنظيم الذاتي واستقلالية القطاع. دعت إلى تحقيق محايد عاجل، وذكّرت بتحذيرات سابقة من "رعونة" اللجنة و"مجزرة مسطرية" طالت صحافيين آخرين في مايو 2025. كما حذّرت من مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة، الذي يُرى كامتداد لعقلية الإقصاء.
  • الفيدرالية المغربية لناشري الصحف: وصفت الحادث بـ"المجزرة الأخلاقية"، مطالبة بتحقيق قضائي فوري وتجميد اللجنة المؤقتة، التي انتهت ولايتها قانونًا في أكتوبر 2024. شدّدت على أن التركيز يجب أن يكون على المضمون – الذي يكشف عن "تخطيط للسيطرة" – لا على التسريب، ودعت إلى تعليق مشروع القانون في مجلس المستشارين، وربطت الحادث بسلسلة سابقة من الإقصاءات.
  • البرلمان: وجهت النائبة نادية تهامي (فريق التقدم والاشتراكية) سؤالًا كتابيًا إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، مطالبة بتوضيحات حول "الذهول والاستنكار" الذي أثارته التسجيلات، التي تضرب مصداقية القطاع.
  • أكثر من 100 صحافي: وقّعوا بيانًا يدين الممارسات، مطالبين بحل المجلس الوطني للصحافة، وإعادة النظر في آلياته لضمان الشفافية والنزاهة، محذّرين من "الترهيب باسم التأديب".

أما اللجنة المؤقتة نفسها، فقد أعلنت اللجوء إلى القضاء ضد المهداوي وأي متورطين، معتبرة التسريب "تضليلًا للرأي العام"، دون أي إشارة إلى استقالات أو إجراءات داخلية، مما يُعزّز الشعور بالاستعلاء الذي ينتقده الجميع. وفي خطوة بارزة، أعلن الصحافي حميد ساعدني (مدير الأخبار في 2M) تجميد عضويته في اللجنة المؤقتة يوم 25 نوفمبر، معترفًا بأن الفيديو "يُسيء للمهنة"، لكنه لم يُشكل سوى البداية المتأخرة لأي تغيير.

مفترق طرق: حل أم محاكمة؟

كما يُشير النص الأصلي، نحن أمام مفترق: إما حل المجلس الوطني للصحافة وإعادة ترتيب البيت عبر حوار حقيقي يشمل النقابات والناشرين، أو محاكمة "أبطال الشريط" لاستعادة الشرعية. أي "تخريجة" أخرى – مثل التركيز على التسريب دون المضمون – ستُحوّل القضية إلى مسرحية فانتازية، حيث يُعاد دفن سقراط مرتين، مرة بالسم، ومرة بـ"إيش إيش" في قارورة "غيز ليه". هذه اللجنة، المنتهية الصلاحية والشرعية، ليست سوى "ترام" متوقف في محطة النهاية، ينتظر إرادة القانون والرأي العام ليعاود الحركة – أو يُدفن إلى الأبد.

في النهاية، يُذكّرنا هذا التسريب بأن الصحافة ليست "دخان سيجارة" يُنفث في الفراغ، بل سلطة رابعة تُبنى على الأخلاق قبل القانون. إذا لم يُحْسَمْ الأمر اليوم، فسيظل الرأي العام يُسأل: هل نجرم الدجاجة، أم البيضة، أم الذي أكلها دون أن يشعر بطعمها؟ الوقت ليس للنقاش الفلسفي، بل للإصلاح الجذري – قبل أن تُصبح الصحافة المغربية عجيبة أخرى من عجائب الانهيار.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة