الحياد الغائب: دعوة الجزائر للوساطة في نزاع الصحراء تثير الجدل حول "النوايا الحقيقية"

المراقبون: كيف لدولة توفر المأوى والسلاح للبوليساريو أن تطالب بدور الوسيط المحايد؟

أثارت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، التي أعلن فيها استعداد بلاده للعب دور الوسيط بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، تساؤلات حادة حول حقيقة النوايا الجزائرية في نزاع الصحراء المغربية. ورغم أن فكرة الوساطة قد تبدو مبادرة سلمية، إلا أنها سرعان ما تصطدم بالواقع، وهو غياب الحياد الذي يُعد شرطًا أساسيًا لا غنى عنه لنجاح أي عملية وساطة دولية.

تناقض الدور والواقع

يبرز التناقض الواضح بين الدور الذي تطالب به الجزائر ورصيدها الفعلي في هذا النزاع. فالوساطة الناجحة تقوم على شرطين أساسيين مفقودين في الحالة الجزائرية:

  1. الثقة الكاملة من الأطراف المتنازعة.

  2. الحياد التام الذي يفرض الوقوف على مسافة واحدة من الجميع.

ومنذ عقود، أظهرت الجزائر دعمًا صريحًا ومستمرًا لجبهة البوليساريو على مستويات متعددة، بما في ذلك:

  • الدعم اللوجستي والإيوائي: باحتضان مخيمات تندوف ومنح الجبهة قاعدة خلفية سياسية وعسكرية.

  • الدعم المالي والعسكري: الذي مكّن البوليساريو من مواصلة مواقفها المتصلبة.

  • الاحتضان السياسي والدبلوماسي: بجعل الجزائر الطرف الأكثر تحركًا دوليًا دفاعًا عن مواقف الجبهة ومعارضة للمقترح المغربي للحكم الذاتي.

ويرى المراقبون أنه من الصعب تصور كيف لدولة توفر المأوى والتمويل والسلاح لطرف معين، وتتبنى مواقفه السياسية بشكل كامل، أن تُعامل كوسيط محايد. ويعتبرون أن مسعى الجزائر لإعادة تموضع دورها من طرف معني بالنزاع إلى وسيط محايد لا يبدو سوى "محاولة لتضليل الرأي الدولي وإخفاء مسؤوليتها المباشرة في استمرار هذا الملف".

تقويض جهود الأمم المتحدة

لا يقف الأمر عند حدود التناقض، بل إن الإصرار الجزائري على لعب دور لا يتوافق مع وضعها الفعلي يهدد بتقويض جهود الأمم المتحدة، التي تُعد المرجعية الوحيدة المعترف بها دوليًا لمعالجة النزاع.

فوجود وساطة موازية أو غير محايدة من شأنه خلق تشويش على المسار الأممي، وإضعاف المبعوث الأممي. كما أن هذا الطرح يغذي التوتر، لأنه يشجع البوليساريو على التمسك بمواقف متصلبة ما دامت تشعر بأن دعم الجزائر مضمون.

الدور الواقعي: ميسر للحل لا وسيط منحاز

يؤكد التحليل أن الدور الأكثر منطقية وواقعية بالنسبة للجزائر ليس الوساطة، بل الاعتراف بكونها طرفًا أساسيًا في النزاع يجب أن يشارك فيه كـ "عامل ميسر للحل"، يهدف إلى تسهيل المفاوضات بدل فرض أجندته الخاصة.

ويُطالب الخبراء الجزائر، إذا كانت تبحث عن دور إيجابي، بالبدء بتصحيح الوضع الإنساني والسياسي داخل مخيمات تندوف الخاضعة لسيطرتها، عبر:

  • رفع القيود عن السكان وضمان حقوقهم الأساسية وحرية حركتهم.

  • السماح للمنظمات الدولية بالوصول وإجراء إحصاء دقيق للسكان.

  • التخلي عن ارتباطها العضوي بالبوليساريو لتشجيع الخيار الحر للسكان.

وفي النهاية، تُعد مطالبة الجزائر بصفة الوسيط في الوقت الذي تستمر فيه في تقديم الدعم الشامل للبوليساريو، محاولة لتغيير مظهر دورها دون تغيير مضمونه. ويبقى الخيار الأكثر واقعية هو أن تتحول الجزائر من طرف يدعم استمرار النزاع إلى شريك يساهم في ضمان كرامة الساكنة وتيسير الوصول إلى حل سياسي عادل ومستدام في إطار الحكم الذاتي وتحت السيادة المغربية.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة