في تطور مفاجئ قلب مجرى النقاش داخل البرلمان، قدّمت الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، اليوم الأربعاء، معطيات وُصفت بـ"الثقيلة" خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، بعدما أصدرت اعترافاً رسمياً يناقض بشكل شبه كامل تصريحات وزير الصحة أمين التهراوي بشأن صفقة “البوتاسيوم” التي آلت إلى شركة يملكها زميله في الحكومة.
وكالة الأدوية تكشف ما حاول الوزير نفيه
الوزير التهراوي دافع سابقاً عن الصفقة مؤكداً أنها تمت وفق مساطر عادية في إطار طلب عروض حكومي صارم، نافياً أن تكون مرتبطة بأي ترخيص استثنائي. غير أن مداخلة الوكالة جاءت لتقلب الصورة رأساً على عقب، معلنة أنها لجأت بالفعل إلى تفعيل تراخيص استثنائية عديدة خلال الأشهر الماضية، من بينها الترخيص الخاص باستيراد مادة “KCl” محور الجدل.
هذا الاعتراف يُضعف بشكل مباشر دفوعات الوزير، ويثير شبهة تقديم معطيات غير دقيقة – أو انتقائية – أمام نواب الأمة.
529 ترخيصاً استثنائياً في 2024… رقم يكشف أزمة عميقة
الوكالة المغربية للأدوية أعلنت أنها منحت خلال سنة 2024 ما مجموعه 529 ترخيصاً استثنائياً، وهو رقم غير مسبوق يسائل بقوة واقع منظومة التزويد الدوائي بالمغرب.
الأمر لا يتعلق باستثناءات معزولة، بل بنظام موازٍ يُدار عبر بوابة "الاستثناء"، ما قد يفتح الباب أمام تضارب المصالح وتوجيه الصفقات خارج المساطر العادية.
وفي سنة 2025، ورغم ما سُمّي بالإصلاحات، سُجّل منح 319 ترخيصاً استثنائياً إلى غاية أكتوبر فقط، وهو رقم مرتفع ينسف خطاب الوزارة حول “الصرامة التنظيمية” و“احترام المساطر”.
سوق دوائية تعتمد على الاستثناء… لا على القاعدة
تقرير الوكالة أوضح أن اللجوء إلى الترخيص الاستثنائي يتم عادةً في حالات نادرة: انعدام الدواء في السوق، حالات طبية حرجة، غياب البدائل، أو صفقات تهم أدوية غير مسجلة.
لكن المعطيات الجديدة تعيد طرح السؤال الكبير:
هل تحولت الاستثناءات إلى قاعدة تُدار بها الصفقات العمومية؟ ومن المستفيد الحقيقي من هذا الوضع؟
خصوصاً وأن المستفيد من الصفقة المثيرة للجدل هو وزير في الحكومة نفسها، وهو ما يعزز مخاوف تضارب المصالح.
هل تم تضليل البرلمان؟
بعد الاعتراف الرسمي للوكالة، يطرح الشارع السياسي سؤالاً ثقيلاً:
هل قدم وزير الصحة معطيات غير كاملة أو مضللة تحت قبة البرلمان؟
وهل استُخدمت لغة تقنية للتغطية على حقيقة أن صفقة حساسة وصلت في النهاية إلى شركات مرتبطة بعضو حكومي؟
وتزداد حدة الانتقادات بالنظر إلى أن الحزب الذي ينتمي إليه الوزيران، التجمع الوطني للأحرار، بنى جزءاً كبيراً من خطابه السياسي على محاربة "الريع" و"الصفقات المشبوهة"، ليجد نفسه اليوم في قلب واحدة من أكبر قضايا تضارب المصالح داخل الحكومة الحالية.
