عادت قضية القرصنة البنكية واختلاس أرصدة الزبناء عبر التطبيقات المصرفية لتفرض نفسها بقوة على الساحة، بعدما اختارت مؤسسات مالية كبرى الهروب إلى الأمام والتنصل من مسؤوليتها القانونية، مبررةً ما حدث بـ"تقصير الزبون"، في وقت تكشف فيه المعطيات المتوفرة أن الاختراقات ناجمة أساساً عن هشاشة أنظمة الحماية داخل هذه الأبناك.
تشير مصادر مطلعة إلى أن التحويلات غير المشروعة التي جرى من خلالها سحب مبالغ مهمة من حسابات الزبناء تمت عبر ثغرات خطيرة في البنى المعلوماتية وعدم اعتماد بروتوكولات أمان متطورة، ما جعل مهمة القراصنة سهلة ودون عناء كبير للوصول إلى الحسابات وتنفيذ عمليات تحويلية نحو حسابات أخرى.
وتورطت في هذه الفضيحة مؤسسات بنكية ذات وزن في السوق، من بينها البريد بنك وCIH Bank والبنك الشعبي والتجاري وفا بنك، وكلها توصلت خلال الأشهر الأخيرة بعشرات الشكايات من زبناء سُلبت مدخراتهم بين ليلة وضحاها، دون أن تتم مواجهة الأمر بالجدية المطلوبة أو تقديم تعويضات عادلة أو حتى تفسيرات تقنية مقنعة.
الأخطر من ذلك، تكشف نفس المصادر وجود حسابات بنكية “مُعدّة مسبقاً” لاستقبال الأموال المقرصنة، فُتحت داخل هذه الأبناك بوثائق تعريف مزورة وتركت خاملة لأسابيع أو شهور، قبل أن تستعمل كـ"محطات استقبال" لتحويلات غير مشروعة.
هذه الحسابات تنشط فقط لحظات تلقي الأموال المسروقة، ثم تُحوّل مبالغها بسرعة قياسية نحو جهات أخرى عبر عمليات جديدة، ما يطرح علامات استفهام كبرى حول فعالية أنظمة المراقبة الداخلية وطرق التحقق من الهوية عند فتح الحسابات.
وفي واحدة من الحالات الموثقة، تعرّض مواطن يشتغل بالأجر اليومي لاختفاء مبلغ يفوق 16 ألف درهم من حسابه في البريد بنك. ورغم مرور أشهر على الحادث، لم يتلقَ أي جواب واضح أو تعويض مستحق، بينما أظهرت التحقيقات أن الأموال حُولت نحو حساب مشبوه تم فتحه في ظروف غير سليمة قانونياً.
وبحسب مطلعين على الملف، فإن تكرار هذه العمليات يؤكد وجود مسؤولية مباشرة تتحملها الأبناك، ليس فقط بسبب ضعف منظومتها المعلوماتية، بل أيضاً بسبب التراخي –إن لم يكن التغاضي– عن فتح حسابات بأسماء مزورة أو بأوراق غير مطابقة، وهو ما يشكل ثغرة ذهبية تستغلها شبكات النصب والاحتيال.
وبينما تواصل هذه الأبناك تحقيق أرباح قياسية وفرض مزيد من الرسوم على زبنائها، يبقى المواطن الطرف الأكثر هشاشة، بلا حماية فعلية، وبلا ضمانات، أمام منظومة مصرفية تبدو غير مستعدة لإرجاع الحقوق أو الاعتراف بخلل أنظمتها.
