محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء: تحقيق إسباني يربط أخنوش بقضية "سيردان" ويفتح ملف تضارب المصالح العابر للحدود

اتخذت قضية تحلية مياه الدار البيضاء بعداً دولياً مثيراً، بعد أن كشفت تقارير إعلامية إسبانية عن تحقيقات جارية داخل إسبانيا حول الصفقة، مرتبطة بشبكة فساد واسعة النطاق تُعرف باسم "قضية سيردان" أو "قضية كولدو". وفقاً لوسائل إعلام مثل "إل كونفيدنسيال" و"ذا أوبجيكتيف"، تتركز التحقيقات على دور الوحدة التشغيلية المركزية (UCO) التابعة للشرطة المدنية الإسبانية، في استكشاف شبهات تورط سانتوس سيردان –الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي العمالي (PSOE)– في تسهيل عقد بناء محطة سيدي رحال لتحلية المياه، التي تعتبر الأكبر في إفريقيا بميزانية تصل إلى 887 مليون يورو (حوالي 15 مليار درهم مغربي).

يأتي هذا التحقيق الإسباني في سياق جدل مغربي واسع أثارته الصفقة منذ إعلانها في نوفمبر 2023، حيث فاز بها تحالف يضم الشركة الإسبانية "أكسيونا" (Acciona) مع شركتين مغربيتين تابعة لمجموعة "أكوا" (Aqua) المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، وهما "أفريكيا غاز" و"غرين أوف أفريكا". ورغم عدم خبرة هاتين الشركتين الواسعة في مجال التحلية، إلا أنهما حصلتا على حصة كبيرة من العقد الذي يشمل بناءً وتشغيلاً وصيانة المحطة، مما أثار اتهامات صريحة بتضارب المصالح واستغلال النفوذ الحكومي لصالح المصالح الخاصة، في مخالفة محتملة للفصل 36 من الدستور المغربي الذي يحظر تنازع المصالح.

تركز التحقيقات الإسبانية، كما أفادت التسريبات الواردة في تقارير UCO، على دور سيردان وشريكه في شركة "سيرفينابار" (Servinabar) في التأثير على منح العقد لـ"أكسيونا". وتشير التقارير إلى رغبة سيردان في المشاركة بزيارة لوزارة النقل الإسبانية إلى المغرب، بهدف "إقناع الجانب المغربي بتسهيل منح عقود كبيرة" للشركة الإسبانية، مما يوحي بضغوط سياسية غير مباشرة. كما نقلت إفادة مسؤول تنفيذي في "أكسيونا" عن أن "المغرب يتعرض لضغوط من هنا"، مفتحة الباب أمام احتمال تدخلات إسبانية لضمان فوز التحالف الذي يشمل شركات أخنوش.

تُعد هذه الممارسات المشبوهة محور الاهتمام لدى المحققين الإسبان، الذين يسعون إلى التدقيق في تفاصيلها، مما يضع الصفقة في قلب قضية فساد عابرة للحدود. وفي هذا السياق، حصل التحالف الفائز على دعم مالي مباشر من حكومة بيدرو سانشيز، حيث أعلنت مدريد تغطية ما لا يقل عن 340 مليون يورو (حوالي 40% من التكلفة الإجمالية) بأموال عامة إسبانية، مما يعزز الشبهات حول التمويل العام لمشروع يشوبه تضارب مصالح واضح.

داخل المغرب، أدى الارتباط المباشر بين رئاسة الحكومة والجهة الفائزة إلى تفجير الجدل السياسي، مع مطالبات متزايدة من المعارضة –بما في ذلك حزب التقدم والاشتراكية وحزب العدالة والتنمية– بفتح تحقيق مستقل، واستقالة أخنوش، وسن قانون لمحاصرة تضارب المصالح. كما أكدت جمعيات مثل الجمعية المغربية لحماية المال العام أن الصفقة تُشكل مخالفة لمقتضيات الفصل 245 من القانون الجنائي، مطالبة بمراجعة آليات منح العقود العمومية الكبرى.

يُعد هذا التطور، الذي يربط بين فساد سياسي إسباني وشبهات مغربية، اختباراً حقيقياً لنزاهة الشراكات الدولية، ويضع كلاً من الرباط ومدريد في موقف حرج أمام الرأي العام والجهات الرقابية. وسط استمرار الجدل، يظل السؤال مفتوحاً: هل ستؤدي هذه التحقيقات إلى إعادة فتح ملف الصفقة، أم ستظل "الضغوط الخفية" القاعدة غير المعلنة في منح العقود الضخمة؟

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة