ففي الوقت الذي شددت فيه اللجنة على أن الملف يتعلق حصراً بانتهاك سرية المداولات، ارتفعت أصوات مطالِبة بعدم الاكتفاء بهذا الجانب، معتبرة أن مضمون الشريط يتضمن تصريحات حول قضايا رائجة أمام القضاء، وتلميحات قد تُقرأ كتدخل محتمل للتأثير في مسار ملفات قضائية، مع ورود اسم محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بشكل يثير تساؤلات حول طبيعة تلك الإشارات.
وفي بيان له، اعتبر حزب التقدم والاشتراكية أن التسجيل المسرّب ينطوي على «انزلاقات خطيرة» قد تحمل شبهة استغلال مواقع المسؤولية على نحو ينافي الحياد والنزاهة المفترضين في لجنة تُعنى بأخلاقيات المهنة. وأكد الحزب أن ما ورد في الشريط قد ينعكس سلباً على صورة البلاد الحقوقية وثقة العاملين في القطاع الإعلامي، داعياً إلى فتح تحقيق شامل واتخاذ الإجراءات المناسبة في حال ثبوت صحة المعطيات المتداولة.
من جهتها، قالت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، إن التسريب كشف «تآمراً واضحاً لحرمان صحافي ومقاولة إعلامية من حقوق مهنية ودعم عمومي بمنطق انتقامي»، مضيفة أن الأخطر يكمن في «التلميح إلى تدخل في القضاء ومحاولة إقحام الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في حسابات مهنية»، إلى جانب استعمال عبارات مهينة بحق المحامين تمسّ بكرامتهم.
بدورها، طالبت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بفتح تحقيق قضائي مستعجل حول مضمون التسجيل وما يحمله من «معطيات خطيرة أصبحت معروفة لدى العموم»، مشيرة إلى أن خطورتها تمسّ استقلال المؤسسة القضائية والهيئة المهنية المكلفة بالتنظيم الذاتي للصحافة.
ويؤكد خبراء في القانون أن محتوى الشريط يثير إشكالات جدية تتعلق بمبدأ استقلال القضاء، ما يستوجب—وفق القانون—فتح بحث لا يقتصر على تحديد مسار التسريب، بل يمتد إلى فحص كل التصريحات الواردة خلال المداولات، وما إذا كانت تنطوي على أي محاولة للتدخل في القضاء أو التأثير عليه. ويحذر هؤلاء من أن التركيز على ملاحقة المسرّب فقط قد يُفسَّر كإغفال لجوهر القضية لصالح شكلها الإجرائي، في حين أن مقتضيات الشفافية تفرض التحقيق في المضمون باعتباره العنصر الأكثر حساسية.
ويبقى الرأي العام في انتظار موقف النيابة العامة من هذا الملف، لما يحمله من تأثير مباشر على صورة المرفق القضائي، وعلى علاقة الثقة بين المؤسسات الإعلامية والهيئات المهنية والسلطة القضائية، في ظرفية تتطلب أعلى درجات الوضوح والمسؤولية.
