أحدث تحديث تقني بسيط في منصة "إكس" زلزالاً غير مسبوق في الفضاء الرقمي، بعدما كشف الموقع الجغرافي الحقيقي لآلاف الحسابات التي كانت تقود حملات ممنهجة ضد المغرب تحت هويات وهمية توحي بانتمائها إلى مدن مغربية. ففي غضون دقائق من ظهور الخاصية الجديدة، انفضح ما لم تكشفه سنوات من التحليل والجدل، إذ تبيّن أن جزءاً كبيراً من الخطاب العدائي لم يكن صادراً من الداخل المغربي، بل يُدار من خارج الحدود، وبوجه خاص من مدن جزائرية، وخوادم مرتبطة بقطر، إضافة إلى نطاقات افتراضية موزعة في دول أوروبا الشرقية.
وكشفت بيانات الموقع الجغرافي لحظة التفعيل الأولي عن عناوين IP تعود إلى وهران وتيزي وزو وبشار وتندوف، تُسيّر حسابات كانت تدّعي الانتماء إلى أحياء مغربية كـ “سيدي مومن” و“بني مكادة”. كما ظهر وجود حسابات أخرى تُدار من الدوحة عبر شبكات VPN قطرية، إلى جانب حسابات تنشط من بلغاريا وصربيا ومولدوفا، وهي مناطق ترتبط عادة بشركات تُقدّم خدمات "التضليل الموجّه" لحكومات ووسائل إعلام.
ومع بدء ظهور المواقع الحقيقية، دخلت مراكز الرصد الرقمية في المغرب وأوروبا وأمريكا الشمالية سباقاً لتحليل البيانات، ليتبين خلال ساعات أن شبكة معقدة تضم أكثر من 2300 حساب تعمل بنمط واحد، وتعيد نشر نفس السرديات السلبية في إطار ما يُعرف بـ"المنطقة الرمادية"، وهي حسابات لا تنتمي لدولة واحدة وإنما تشتغل بشكل منسق ومتزامن لاختراق النقاش الداخلي المغربي.
وأظهرت تحليلات مختبرات في برلين وستوكهولم ومونتريال منحنى زمنياً لافتاً: ارتفاعاً كثيفاً في التغريدات السوداوية حول المغرب خلال فترات محددة، خصوصاً قبل اجتماعات مجلس الأمن حول الصحراء، أو قبل توقيع اتفاقيات استراتيجية للرباط، أو عقب إعلان دول جديدة دعم مبادرة الحكم الذاتي. هذا النمط يشير إلى وجود "غرفة عمليات رقمية" تعمل وفق منطق البرمجة المضادة عبر ضخ محتوى يهدف إلى إضعاف الرواية الدبلوماسية للمغرب.
ولم يتوقف الأمر عند التوقيت، بل امتد إلى "الهندسة اللغوية". فقد اعتمدت الشبكات على دارجة مغربية مصنوعة في مختبرات لغوية: لهجة تبدو محلية لكنها منقحة ومتقنة إلى درجة غير طبيعية، خالية من الأخطاء العفوية التي يقع فيها المستخدمون الحقيقيون ومن الإشارات الجهوية الدقيقة. وخلصت التحليلات إلى أن الحسابات تعتمد "قواميس داخلية" تعبّأ مسبقاً بأمثال وتعابير مغربية، في محاولة لإقناع المتلقي أن مصدرها مغربي.
وفيما بدأت الحسابات تنكشف واحدة تلو أخرى، حدث "تدافع رقمي" واسع من خلال حذف جماعي للتغريدات، وتغيير للأسماء والصور، واختفاء مفاجئ لحسابات نشرت أكثر من 150 ألف تعليق خلال السنوات الأخيرة. وهو سلوك يشبه تفكيك "خلية نائمة" بعد انفضاح أمرها.
وأبرزت دراسة استقصائية أن الحسابات المرتبطة بالجزائر كانت تمر عبر proxy chains لإخفاء الموقع الأصلي، لكن تحديث "إكس" تمكن من كشف "التوقيع الأول" قبل بدء عملية الإخفاء، ما سمح برصد الاتصال من وهران وباب الزوار وتندوف بوضوح.
في المقابل، كشفت تحليلات السيبرانيين أن جزءاً من الحسابات القطرية كان يستخدم خوارزميات ذكاء اصطناعي لإنتاج محتوى سريع بكميات ضخمة، يهدف إلى إغراق الفضاء المغربي بخطاب سوداوي متكرر، في عمليات تشبه "القصف الناعم" لاستنزاف الوعي الجماعي.
ويرى خبراء رقميون أن ما ظهر ليس مجرد نشاط عدائي متفرق، بل هجوم منظم وفق منطق حروب الجيل الرابع، حيث يُستهدف المغرب ليس في قدرته العسكرية أو الاقتصادية، وإنما في وعي مواطنيه وثقتهم في وطنهم ومؤسساتهم.
ويؤكد هؤلاء أن التحالف بين الشبكات الجزائرية والقطرية جزء من "سوق دولي" لصناعة الدعاية العابرة للحدود، تُنفذ عملياتها عبر شركات وساطة في أوروبا الشرقية بينما تُموّل من جهات سياسية ذات أجندات إقليمية.
وكشف الخبير في الأمن السيبراني سعيد أنصاري، أن تتبع 2300 حساب أظهر أن 62% منها تنشط عبر نطاقات جزائرية، و18% ترتبط بخوادم قطرية أو بخوادم سحابية تُستعمل عادة في الحملات الموجهة، بينما تمر النسبة المتبقية عبر خوادم أوروبا الشرقية. وأكد أن "نمط الهجوم يرتفع دائماً بالتزامن مع محطات دبلوماسية مغربية"، مما يدل على وجود قيادة مركزية وليس مجرد مبادرات فردية.
أما التحليل اللغوي المتقدم، فقد كشف — وفق مختبر متخصص — أن محتوى هذه الحسابات يعتمد على "مولّد لغوي صناعي" يستخدم دارجة مغربية مصنوعة، حيث تتكرر الأخطاء والإيقاعات نفسها بشكل آلي، ما يدل على غياب التجربة الاجتماعية المغربية الحقيقية خلف تلك النصوص.
ويخلص خبراء حوكمة الإنترنت إلى أن المغرب يقف اليوم في تقاطع ثلاثة خطوط نار رقمية:
-
الامتداد السيبراني للتوتر الجيوسياسي مع الجزائر،
-
صعود المغرب في إفريقيا والساحل،
-
النفوذ الإعلامي للشبكات القطرية.
واعتبروا أن مواجهة هذا الوضع يتطلب بناء مناعة رقمية وطنية، وتطوير قدرات الرصد، وتعاوناً مع مختبرات دولية متخصصة.
وتتفق كل التحليلات على أن ما كشفته خاصية الموقع الجغرافي ليس سوى "الطبقة الأولى" من شبكة تضليلية واسعة استهدفت المغرب باستراتيجية طويلة المدى تعتمد التنسيق الدولي والهندسة اللغوية والضغط النفسي، في إطار معركة رقمية جديدة تُخاض بالخوارزميات بدل الجيوش.
