شرعت صحف جزائرية محسوبة على الخط الرسمي خلال الأيام الأخيرة في حملة إعلامية واسعة ضد فرنسا، في خطوة يقرأها مراقبون كتحرك استباقي من النظام للتأثير على الرأي العام قبل الموعد المقرر لإعلان حركة "ماك" القبايلية عن "استقلال رمزي" لمنطقة القبائل في الرابع عشر من دجنبر المقبل وسط العاصمة باريس.
وخلال الأيام الماضية، حملت عناوين غالبية الصحف الحكومية والموالية للنظام خطابًا هجوميًا موحدًا، متهمة باريس بـ"النفاق السياسي" في قضية السيادة. واعتبرت هذه المنابر أن فرنسا تطالب بحماية سيادة الدول بينما تسمح – وفق الرواية الجزائرية – بتنظيم خطوة تراها "تدخلاً مباشراً" في الشأن الداخلي الجزائري.
وتزامنت هذه الحملة مع استمرار التوتر الدبلوماسي بين الجزائر وباريس، فيما ترى الصحافة الفرنسية أن تحرك "ماك" قد يفاقم الأزمة بين البلدين، خاصة مع محاولة الجزائر تصوير الإعلان المرتقب كدليل على "تورط" فرنسي في دعم الحركة القبايلية.
رمزية المكان والزمان
وتحمل خطوة حركة "ماك" دلالات خاصة من حيث اختيار باريس وتاريخ 14 دجنبر للإعلان، وهو تاريخ يصادف ذكرى قرار الأمم المتحدة 1514 المتعلق بتصفية الاستعمار. ووفق زعيم الحركة فرحات مهني، فإن الإعلان يهدف إلى وضع ما تسميه الحركة "القضية القبايلية" ضمن سياق دولي مرتبط بحق الشعوب في تقرير المصير.
وفي حوار مع صحيفة Le JDD الفرنسية، أكد مهني أن منطقة القبائل تتعرض لـ"قمع مستمر منذ 1963"، وأن "الاستقلال هو الحل الوحيد لإنهاء هذا الوضع". وأضاف أن الحركة اختارت "نهجًا سلميًا يعتمد على القانون الدولي" وأن إعلان باريس سيكون خطوة لا رجعة فيها.
حوار مقطوع ومطالب معلّقة
وكشف مهني أن الحركة قدمت منذ أبريل 2024 عروضًا للحوار مع السلطات الجزائرية حول تنظيم استفتاء بشأن مستقبل المنطقة، مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإلغاء المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، وشطب الحركة من لائحة "المنظمات الإرهابية". لكن الجزائر – بحسبه – "لم تُقدم أي تجاوب أو مبادرة".
وأشار إلى أن المنطقة "لا ترتبط مؤسساتيًا بالجزائر لا على المستوى التنفيذي ولا التشريعي"، وهو ما اعتبره "فراغًا جيوسياسيًا" سيدفع الحركة إلى إعلانها المرتقب كخطوة "خروج من المأزق".
حملة إعلامية لامتصاص الصدمة؟
في المقابل، تسعى وسائل الإعلام الجزائرية إلى تحميل فرنسا مسؤولية السماح لنشاط الحركة فوق أراضيها، معتبرة ذلك "تواطؤًا" أو "دعمًا مبطّنًا"، رغم عدم صدور أي موقف رسمي فرنسي. ويؤكد مهني من جهته أن "الإليزيه لم يُبد أي مؤشر على دعم الخطوة".
ويرى محللون أن هذه الحملة قد تكون محاولة لتعبئة الرأي العام الداخلي وتحويل الأنظار نحو "عدو خارجي"، تحسبًا لأي تداعيات سياسية قد يخلفها الإعلان الرمزي، خصوصًا أن منطقة القبائل تُعد من أكثر المناطق معارضة للنظام ومقاطعة للانتخابات.
مخاوف من تصعيد ميداني
وتتوقع الصحافة الفرنسية احتمال لجوء السلطات الجزائرية إلى تصعيد ميداني أو اعتقالات واسعة تستهدف نشطاء الحركة أو المعتقلين القبايليين. وهو ما دفع مهني إلى دعوة المجتمع الدولي للتدخل للحد من "أي انزلاق"، محذرًا من أن "أي رد انتقامي سيُسرّع استقلال القبائل بدل أن يعيقه".
