في خطوة تعكس تصاعد الرهان العالمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، أعلنت مجموعة “ميتا” الأميركية، استحواذها على أداة الذكاء الاصطناعي المتقدمة “مانوس”، التي طوّرتها شركة “باترفلاي إيفيكت”، في صفقة تأتي على خلفية التنافس التكنولوجي المتنامي بين الولايات المتحدة والصين، وسط سباق محموم للهيمنة على الجيل الجديد من الأدوات الذكية القادرة على تغيير أنماط العمل والإنتاج.
وتندرج هذه الصفقة، التي لم يُكشف عن قيمتها المالية، ضمن الاستراتيجية الأوسع التي تنتهجها “ميتا” لتعزيز موقعها في سوق الذكاء الاصطناعي القابل للتسويق التجاري، لا سيما عبر نماذج تعتمد على الاشتراكات المدفوعة والخدمات عالية القيمة المضافة. وتسعى المجموعة، التي يملكها مارك زاكربرغ وتضم منصات عملاقة مثل “فيسبوك” و”إنستغرام” و”واتساب”، إلى تنويع مصادر دخلها وتقليص اعتمادها التقليدي على الإعلانات الرقمية.
وبرزت أداة “مانوس” إلى العلن في مارس الماضي، بعد تطويرها من طرف شركة “باترفلاي إيفيكت تكنولوجي”، التي تأسست في بكين قبل أن تنقل مقرها الرسمي لاحقًا إلى سنغافورة. وقد لاقت الأداة اهتمامًا واسعًا، خصوصًا في أوساط الشركات والمؤسسات، رغم طرحها في مرحلة أولى بنظام الدعوات الخاصة، ما عزز صورتها كحل تقني موجّه أساسًا للاستخدامات الاحترافية وليس للاستهلاك الفردي فقط.
وتتميّز “مانوس” بكونها تختلف جذريًا عن روبوتات الدردشة الشائعة، مثل “تشات جي بي تي” أو “ديبسيك”، إذ لا تقتصر على تقديم إجابات نصية أو دعم تفاعلي، بل صُمّمت لإنجاز مهام متكاملة بشكل مستقل. وتشمل هذه المهام تحليل المعطيات المعقدة، واتخاذ قرارات عملية، وتنفيذ إجراءات كاملة، مثل فرز السير الذاتية، إعداد دراسات السوق، تنظيم رحلات السفر، أو إدارة مشاريع متعددة دون تدخل بشري مباشر.
وأكدت “ميتا”، في بيان رسمي، أن الأداة الجديدة تمتلك قدرات متقدمة في مجالات البرمجة، وتحليل البيانات، وإجراء الأبحاث المعمقة، ما يجعلها مناسبة للاستخدامات المهنية والمؤسساتية عالية المستوى. كما أوضحت أن فريق “مانوس” سيواصل العمل من سنغافورة، مع الحفاظ على نموذج الاشتراك الحالي عبر التطبيق والموقع الإلكتروني، اللذين يقدمان خدماتهما لملايين المستخدمين حول العالم.
وكانت شركة “باترفلاي إيفيكت” قد أعلنت في وقت سابق من هذا العام نقل مقرها القانوني من الصين إلى سنغافورة، في خطوة فُسّرت على نطاق واسع بأنها محاولة لتفادي القيود التنظيمية المتزايدة المفروضة على شركات التكنولوجيا الصينية. وقدّرت وكالة “بلومبرغ” القيمة السوقية للشركة بنحو 500 مليون دولار، ما يعكس حجم الرهان الذي تمثله تقنياتها في سوق الذكاء الاصطناعي العالمية.
ورغم ذلك، لا يُستبعد أن تثير الصفقة تحفظات لدى الهيئات التنظيمية الأميركية، بالنظر إلى الجذور الصينية للشركة المطوّرة، حتى بعد انتقالها الرسمي إلى سنغافورة. ويأتي هذا في ظل تشدد متزايد من جانب واشنطن إزاء الصفقات التكنولوجية ذات الأبعاد الجيوسياسية، خاصة تلك المرتبطة بالبيانات، والخوارزميات، والقدرات الحاسوبية المتقدمة.
وتندرج هذه الخطوة ضمن سياق أوسع من التنافس الحاد بين الولايات المتحدة والصين على قيادة ثورة الذكاء الاصطناعي، حيث لم تعد هذه التقنيات مجرد أدوات مساعدة، بل تحولت إلى عنصر مركزي في الصراع الاستراتيجي والاقتصادي العالمي. وفي هذا السباق، تسعى شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل “ميتا”، إلى تعزيز قدراتها بسرعة، عبر الاستحواذ على حلول مبتكرة قادرة على منحها أفضلية تنافسية في سوق يشهد تحولات متسارعة وغير مسبوقة.
