لم تعد أزمة السكن مجرد شكوى يومية في الشوارع والأحياء الشعبية، بل تحولت إلى فضيحة برلمانية صارخة، بعد أن وجَّهت النائبة لبنى الصغيري، عضو فريق حزب التقدم والاشتراكية، سؤالًا كتابيًا حادًا إلى وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، مُفْضِحَةْ فشلًا كاملاً في إدارة القطاع. في سؤالها، الذي يأتي في سياق تفاقم الأزمة خلال الأشهر الأخيرة، أبرزت الصغيري أن أسعار الشقق والمنازل سجَّلت ارتفاعًا قياسيًا، مما جعل حلم امتلاك سكن لائق أمرًا بعيد المنال للطبقات المتوسطة والفقيرة، خاصة الشباب المقبل على الزواج والأسر محدودة الدخل، في وقت تتراجع فيه القدرة الشرائية بفعل التضخم والغلاء العام.
وجهت الصغيري سؤالها الكتابي في 27 نوفمبر 2025، مُطَالِبَةْ المنصوري بتوضيح الإجراءات العاجلة لضبط السوق العقاري، ووضع حد للمضاربات، وتوسيع برامج السكن الاجتماعي والمتوسط بشكل فعلي، مع آليات رقابة واضحة تضمن استفادة الفئات الهشة. وأكدت النائبة أن هذه المؤشرات "ليست سوى انعكاس واضح لفشل السياسات الحكومية"، مشيرةً إلى غياب استراتيجية حقيقية لتنظيم السوق، واستمرار الارتفاعات المتسارعة في أسعار العقار مباشرة بعد إطلاق برامج الدعم المباشر، كما حدث في حالات سابقة حيث لم ينعكس الدعم على المستهلكين.
ارتفاع قياسي: الشقق تُبَاعْ بأسعار فلكية رغم الدعم
أشارت الصغيري في سؤالها إلى أن أسعار الشقق في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش ارتفعت بنسبة 15-20% خلال الأشهر الأخيرة، مدفوعة بارتفاع تكلفة مواد البناء (الأسمنت +18%، الحديد +25%) والمضاربات العقارية، في وقت يُعَانِيْ فيه الشباب (أكثر من 60% من السكان تحت 35 عامًا) من بطالة تصل إلى 35%، ودخل متوسط شهري لا يتجاوز 4,000 درهم. هذا الارتفاع جعل السكن الاجتماعي – الذي يُفْقِدْ سعره 250,000 درهم – بعيد المنال، بينما تأخرت برامج الدعم مثل "مدينة حديثة" و"السكن الاقتصادي"، مما أدى إلى تراجع معدلات الإنجاز بنسبة 12% في 2025، وفقًا لتقارير وزارية.
أضافَتْ الصغيري أن المنصوري، التي ترأستْ سابقًا جماعة مراكش، فشلتْ في معالجة ملفات المدينة محليًا، فكيف تُدَبِّرْ قطاع الإسكان على المستوى الوطني؟ وأشارتْ إلى أن السياسات الحالية تُفَضِّلْ المستثمرين الكبار على حساب الفئات الهشة، مع غياب رقابة فعالة على السوق، مما يسمح بـ"المضاربات الجامحة" وارتفاعات غير مبررة. وفي سياق مشابه، وجهتْ نائبة أخرى، فاطمة الزهراء التامني من فدرالية اليسار الديمقراطي، سؤالًا كتابيًا آخرًا في 4 ديسمبر 2025، مُسَائِلَةْ المنصوري عن "الارتفاع المتسارع في أسعار السكن مباشرة بعد إطلاق برنامج الدعم المباشر"، مما يُشِيرْ إلى اتساع الإشكالية.
المنصوري تحت الضغط: فشل في مراكش ووعود وطنية غير مُنَفَّذَةْ
المنصوري، الوزيرة منذ أكتوبر 2021 وسابقًا عمدة مراكش (2009-2015)، تواجه انتقادات متزايدة بسبب فشلها في تنفيذ برامجها المحلية، حيث تأخرت مشاريع "المدينة الذكية" في مراكش بنسبة 40%، وارتفعت أسعار الإيجارات بنسبة 25% خلال ولايتها. على المستوى الوطني، أطلقتْ برنامج "السكن الاجتماعي" بميزانية 100 مليار درهم لإنتاج مليون وحدة، لكن الإنجاز لم يتجاوز 200 ألف وحدة حتى نوفمبر 2025، مع شكاوى من الفئات الهشة بسبب الشروط الصارمة (دخل أقل من 3,000 درهم شهريًا) والبيروقراطية. أما برنامج الدعم المباشر (حتى 100,000 درهم للشقق)، فقد أدى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة 18% مباشرة بعد إطلاقه في 2024، كما وثَّقَتْ تقارير البنك المركزي.
في ردودها السابقة على تساؤلات برلمانية، أكدَتْ المنصوري أن "لا فوضى عقارية ولا تلاعب بالأملاك"، مُدَافِعَةْ عن سياساتها بأنها "تُعْزِزْ الشفافية"، لكن النقاد يرون في ذلك "تبريرًا للفشل"، مشيرينْ إلى أن الوزارة لم تُفْتَحْ تحقيقًا في المضاربات، وأن البرامج الاجتماعية تُفَضِّلْ الشركات الكبرى على حساب الشباب. كما أن ترأسها السابق لجماعة مراكش، حيث تأخرت مشاريع السكن بنسبة 30%، يُعْتَبَرْ دليلًا على "عدم الكفاءة"، كما يقول مراقبون.
مطالب الصغيري: إجراءات عاجلة للشباب والفئات الهشة
لم تكتفِ الصغيري بكشف الأزمة، بل طالبتْ بـ:
- ضبط السوق: فرض سقف أسعار للشقق الاجتماعية ومكافحة المضاربات عبر رقابة صارمة.
- توسيع البرامج: إنتاج 500 ألف وحدة سكن اجتماعي سنويًا، مع تسهيل الشروط للشباب (دخل حتى 5,000 درهم).
- آليات رقابة: تحقيقات في ارتفاعات الأسعار وغرامات على المخالفين، مع دعم القدرة الشرائية عبر قروض ميسرة.
هذه المطالب تأتي في وقت يُعَانِيْ فيه أكثر من 2 مليون أسرة من نقص السكن، وفقًا لتقرير المندوبية السامية للتخطيط (2025)، مما يجعل الأزمة تهديدًا للاستقرار الاجتماعي، خاصة مع ارتفاع معدلات الزواج غير المسجل بنسبة 20% بسبب غياب السكن.
في الختام، يُعَدُّ سؤال الصغيري صرخة في البرلمان لإنقاذ قطاع يُغَرِقْ المغاربة، واختبارًا حقيقيًا للمنصوري، التي تُدَافِعْ عن سياساتها رغم الإخفاقات المحلية. إذا لم تُقْدِمْ الوزيرة حلولًا ملموسة، قد تتحول الأزمة إلى قنبلة موقوتة تهدد التوازن الاجتماعي في المملكة.
