معبر مليلية بدل المستشفى العمومي… طفلة تعبر الحدود للعلاج وتفضح فجوة إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب

بينما كان رئيس الحكومة عزيز أخنوش يقوم بجولة ميدانية ويتحدث بثقة عن “منجزات كبرى” في قطاع الصحة، وعن دولة اجتماعية تضع المواطن في صلب السياسات العمومية، كانت أسرة مغربية تعيش واقعًا مغايرًا تمامًا، وهي تنقل طفلتها المصابة بجروح خطيرة نحو معبر مليلية المحتلة، بحثًا عن علاج فقدت الأمل في الحصول عليه داخل المنظومة الصحية الوطنية.

الواقعة لا يمكن اختزالها في حادث عرضي، بل تُجسّد أزمة ثقة عميقة بين المواطن المغربي وقطاع يُفترض أن يكون الملاذ الأول في لحظات الخطر. طفلة تسقط من الطابق الرابع داخل التراب المغربي، تتلقى إسعافات أولية محدودة، ثم تُنقل في سيارة أجرة، لا إلى مستشفى عمومي مجهز، بل إلى حدود دولة أخرى، لأن الأسرة، كما آلاف غيرها، تعرف مسبقًا ما ينتظرها: اكتظاظ، تأخير، نقص تجهيزات، واحتمال ضياع الوقت الحاسم.

المفارقة المؤلمة أن هذه الحادثة تزامنت مع وجود رئيس الحكومة بالمنطقة نفسها، وهو يستعرض أرقام الإصلاحات ونجاحات تعميم الحماية الاجتماعية، في مشهد يكشف الهوة الواسعة بين الخطاب الرسمي والواقع اليومي للمغاربة.

ما جرى على الجانب الإسباني يفضح حجم الفارق: تعبئة فورية، سيارات إسعاف مجهزة، طاقم طبي متكامل، تدخل دقيق وسريع، نقل آمن، وإدخال مباشر إلى المستشفى. دقائق قليلة كانت كافية لتأمين العناية اللازمة، في حين أن الخيار داخل المغرب كان الهروب من المنظومة الصحية بدل اللجوء إليها.

هذه الحادثة ليست إشادة بنظام صحي أجنبي بقدر ما هي إدانة سياسية لمنظومة وطنية فقدت ثقة مواطنيها. حين تختار أسرة مغربية المجازفة بعبور الحدود لإنقاذ طفلتها، فهذا يعني أن البلاغات الرسمية، والأرقام المعلنة، وخطابات “الإصلاح” لم تعد مقنعة أمام اختبار الواقع.

الحكومة تتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية كاملة. فلا معنى للحديث عن مليارات صُرفت أو أوراش أُطلقت، إذا كان المواطن في لحظة الخطر القصوى لا يرى أمامه سوى طريق الخروج. الصحة ليست صور زيارات ولا عروضًا خطابية، بل سرير جاهز، طبيب حاضر، جهاز يعمل، وكرامة مصونة.

ما حدث عند معبر مليلية يشكل صفعة قوية لخطاب “الدولة الاجتماعية” حين يُقدَّم كمنجز مكتمل، بينما يراه كثير من المغاربة شعارًا جميلًا فوق واقع هش. هذه الطفلة لم تعبر الحدود بحثًا عن امتياز، بل هربًا من منظومة فقدت الحد الأدنى من الثقة. وإلى أن تواجه الحكومة هذا الواقع بجرأة، ستظل المعابر، لا المستشفيات، عنوان الأمل الأخير لدى فئات واسعة من المواطنين.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة