في ظل تسارع التحولات الجيوسياسية وتزايد حدة التنافس البحري في غرب البحر الأبيض المتوسط وعلى الواجهة الأطلسية، يبرز توجه المغرب نحو تعزيز قدراته العسكرية البحرية كخيار استراتيجي يفرضه السياق الإقليمي والدولي. فخلال السنوات الأخيرة، تصاعد الحديث عن نية الرباط اقتناء غواصات حديثة، سواء من مصادر أوروبية أو من روسيا، في إطار سعيها إلى بناء أسطول بحري أكثر توازناً وقدرة على حماية المصالح الاستراتيجية للمملكة.
وبحسب معطيات نشرها موقع "19fortyfive" المتخصص في الشؤون العسكرية، فإن المغرب، الذي لا يتوفر إلى حدود اليوم على غواصات ضمن ترسانته البحرية، يوجد ضمن الدول التي تدرس العرض الروسي المتعلق بغواصات Amur-1650، إلى جانب عروض منافسة من شركات أوروبية رائدة في هذا المجال.
ويعكس هذا الاهتمام، وفق المصدر ذاته، استمرار قدرة موسكو على جذب انتباه بعض الدول في سوق الغواصات التقليدية، رغم أن برنامج “أمور” لم يسجل حتى الآن أي عملية تسليم فعلية أو دخول الخدمة لدى أي بحرية في العالم، ما يثير تساؤلات حول جاهزيته العملية.
وتُسوّق روسيا غواصات Amur على أنها غواصات هجومية ديزل-كهربائية متقدمة، مشتقة من عائلة “لادا” (Project 677)، وموجهة أساساً للتصدير. وتصنف هذه الغواصات ضمن الجيل الرابع، مع وعود بقدرات عالية على التخفي، وأنظمة قتالية حديثة، إضافة إلى إمكانية تزويدها بنظام دفع مستقل عن الهواء (AIP)، يسمح بتمديد مدة البقاء تحت الماء لفترات أطول.
ويشمل عرض “أمور” نسختين رئيسيتين:
الأولى Amur-950، وهي نسخة أصغر حجماً، مخصصة للعمليات الساحلية والدفاعية، بإزاحة تتراوح بين 950 و1065 طناً، وتتميز بإمكانية تزويدها بعدد يصل إلى عشرة خلايا إطلاق عمودي لصواريخ كروز.
أما النسخة الثانية Amur-1650، فهي موجهة للمهام الأطول مدى، بإزاحة تقارب 1765 طناً وطول يناهز 66.8 متراً، ومزودة بستة أنابيب طوربيد عيار 533 ملم، قادرة على إطلاق طوربيدات وألغام وصواريخ موجهة.
وتؤكد روسيا أن تصميم هذه الغواصات يركز على تقليص البصمة الصوتية إلى الحد الأدنى، عبر اعتماد هيكل أحادي وتجهيزات ميكانيكية أقل ضجيجاً، بهدف تقليص قابلية الرصد مقارنة بغواصات “كيلو” الأقدم. كما يُطرح خيار تزويدها بنظام AIP قائم على خلايا الوقود، ما يمنحها قدرة على البقاء مغمورة لأسابيع، ويقرب أداءها من بعض مهام الغواصات النووية.
غير أن الطموحات التقنية المعلنة تصطدم، وفق التقرير، بإشكال أساسي لا يتعلق بالمواصفات، بل بالمصداقية والجاهزية الصناعية. ففي المقابل، تشهد سوق الغواصات التقليدية منافسة قوية من تصاميم أوروبية مثل “سكوربين” الفرنسية و“تايب 214” الألمانية، التي تتمتع بسجل تشغيلي مثبت، وشبكات شراكة صناعية، ونقل للتكنولوجيا، إلى جانب التزام أكثر وضوحاً بآجال التسليم.
ويضاف إلى ذلك البعد الجيوسياسي، حيث أثرت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا بشكل مباشر على قاعدتها الصناعية الدفاعية، وعلى قدرتها على تأمين التمويل والمكونات الحساسة، ما يثير تساؤلات جدية حول قدرتها على الوفاء بالتزامات طويلة الأمد في صفقات معقدة مثل الغواصات.
ويرى التقرير أن الاهتمام المغربي المحتمل بغواصات “أمور” يعكس رغبة الرباط في تنويع مصادر التسليح وتعزيز استقلالية قرارها الدفاعي، لكنه في المقابل يضع روسيا أمام اختبار حقيقي، يتمثل في الانتقال من الوعود التسويقية إلى الإنتاج المتسلسل والتسليم الفعلي. فإلى حدود نهاية سنة 2025، لم يتم توقيع أي عقد، ولم تنطلق أشغال بناء أي غواصة من هذا الطراز، في وقت تواصل فيه المنصات الأوروبية تعزيز حضورها في الأسواق العالمية.
ويخلص التقرير إلى أن مستقبل غواصات Amur سيظل رهيناً بقدرة موسكو على تجاوز الإكراهات التقنية لبرنامج “لادا”، وإخراج غواصة “أمور” إلى الخدمة الفعلية، والتكيف مع القيود التي تفرضها العقوبات الدولية.
