ألعاب الفيديو في زمن البطالة: شباب بين قوارب الموت وبرامج التسلية الحكومية...

في وقتٍ يغرق فيه الشباب المغربي في دوامة الفقر والبطالة وانسداد الأفق، ويجازف بحياته في قوارب الهجرة غير النظامية بحثًا عن مخرج، يطلّ وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، ليعلن عن تمديد برنامج “صانع ألعاب الفيديو”.

مبادرة تُقدَّم كإنجاز، في بلد لم يعد شبابه يطلب سوى فرصة عمل، أو أفق كرامة، أو سبب مقنع للبقاء.

في واقعٍ صار فيه الحلم المغربي اختزالًا في “فيزا” أو قارب مطاطي، يبدو أن التشخيص الرسمي لأزمة الشباب اختُزل في نقصٍ في “اللعب”، لا في غياب السياسات الاجتماعية والاقتصادية. وكأن الشاب، المثقل بالغلاء والعطالة والتهميش، لا يحتاج سوى شاشة ويد تحكم لينسى واقعه.

الوزارة تتحدث عن تكوين 40 شابًا في مجال ألعاب الفيديو، ضمن برنامج يمتد لتسعة أشهر بشراكات أجنبية وعناوين جذابة مثل “الصناعات الإبداعية” و”الابتكار الرقمي”. لكن السؤال الجوهري يظل مطروحًا:
ماذا عن ملايين الشباب خارج هذه الدائرة الضيقة؟ ماذا عن من لا يجد عملًا، ولا سكنًا، ولا أفقًا، ولا حتى تذكرة للهروب؟

الإشكال ليس في ألعاب الفيديو بحد ذاتها، بل في تقديمها كأولوية سياسية في سياق اجتماعي مأزوم. فتمكين الشباب لا يكون بإلهائه، بل بخلق فرص شغل حقيقية، وربط التكوين بحاجيات الاقتصاد الفعلي، لا بتسويق مبادرات رمزية في بلاغات رسمية.

وتزداد فجوة الثقة اتساعًا حين يتحدث الوزير عن تمكين الشباب، بينما تحيط بمساره أسئلة مشروعة حول تضارب المصالح، وسرعة الصعود، وتراكم الثروة في سن مبكرة، دون أجوبة واضحة. بدل المواجهة، يُستعاض عن ذلك بخطاب جذاب لا يُشغّل عاطلًا ولا يخفف معاناة أسرة.

وزير لم يختبر طوابير البطالة، ولا مرارة “سير وجي”، ولا إذلال البحث اليومي عن عمل، يصعب عليه إدراك حجم الغضب واليأس الذي يعيشه شباب اليوم. لذلك تبدو السياسات الموجهة إليهم منفصلة عن واقعهم، ومبنية على تصور فوقي يُعاملهم كقُصّر يمكن إلهاؤهم بالمبادرات الشكلية.

الشباب المغربي لا يطلب التسلية، بل الكرامة.
لا يطلب اللعب، بل العمل.
ولا يطلب شعارات مستوردة، بل عدالة اجتماعية حقيقية.

أما الاستمرار في تقديم اللهو كبديل عن السياسات الجادة، فليس فقط فشلًا في الاختيار، بل استخفاف خطير بجيل كامل. وجيلٌ يُستخف به… لا ينسى.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة