تتجه أنظار الأوساط الطبية في المغرب إلى موسم إنفلونزا يُتوقع أن يكون غير مألوف، من حيث التوقيت والحدة، في ظل الانتشار السريع عالميًا لمتحور جديد من فيروس الإنفلونزا A(H3N2)، الذي بات يُعرف إعلاميًا بـ“الإنفلونزا الخارقة”. وتحذيرات المختصين تستند إلى مؤشرات وبائية مقلقة رُصدت في عدد من الدول خلال الأشهر الأخيرة.
وفي هذا السياق، أوضح الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، الطيب حمضي، أن هذا المتحوّر راكم سبع طفرات جينية خلال صيف 2025، جعلته يختلف بشكل واضح عن السلالات السابقة، ومكّنته من تجاوز جزء من المناعة المكتسبة لدى من سبق لهم التلقيح أو الإصابة، ما ساهم في انتشاره السريع وظهور موجات إنفلونزا مبكرة في دول مثل اليابان، قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة وكندا وعدة بلدان أوروبية.
وأشار حمضي إلى أن العدوى ظهرت في البداية بشكل لافت لدى فئة الشباب والمراهقين، قبل أن تمتد بسرعة إلى باقي الفئات العمرية، وهو سيناريو ينذر بضغط متزايد على المنظومة الصحية. وتزداد المخاوف بالنظر إلى أن سلالة H3N2 معروفة تاريخيًا بكونها أكثر شراسة من H1N1، وغالبًا ما ترتبط بمضاعفات أشد، خصوصًا لدى الفئات الهشة.
وتشمل هذه الفئات كبار السن، والمصابين بأمراض مزمنة، والحوامل، والأشخاص الذين يعانون من السمنة أو ضعف المناعة، إضافة إلى الأطفال الصغار. وفي المغرب، ورغم غياب معطيات رسمية دقيقة إلى حدود الساعة، فقد سُجل منذ منتصف نونبر ارتفاع ملحوظ في حالات الإصابة بأعراض شبيهة بالإنفلونزا، مع حدة غير معتادة، ما يعزز فرضية دخول البلاد مرحلة وبائية مبكرة قد تنعكس على المستشفيات وسير الحياة اليومية.
ورغم أن لقاحات موسم 2025-2026 لا تتضمن هذا المتحوّر الجديد بشكل مباشر، إلا أنها، وفق معطيات خاصة من المملكة المتحدة، ما تزال توفر حماية جزئية من العدوى، وحماية قوية من الحالات الخطيرة والاستشفاء. لذلك يشدد المختصون على أهمية التلقيح، خاصة لدى الفئات الأكثر عرضة للمضاعفات، مع التذكير بأن فعالية اللقاح تبدأ عادة بعد نحو أسبوعين من تلقيه.
أما من حيث الأعراض، فهي لا تختلف كثيرًا عن الإنفلونزا الموسمية، وتشمل ارتفاعًا مفاجئًا في درجة الحرارة، قشعريرة، صداعًا حادًا، آلامًا في العضلات والمفاصل، سعالًا جافًا، التهاب الحلق، وإرهاقًا شديدًا، وقد ترافقها أحيانًا اضطرابات هضمية. وتُبرز تجربة بريطانيا، التي سجلت ارتفاعًا قياسيًا في حالات الاستشفاء بسبب الإنفلونزا، حجم التحدي، بعدما ارتفعت نسبة شغل أسرة المستشفيات في فترة زمنية وجيزة.
وفي هذا الإطار، يجدد الأطباء دعوتهم إلى اليقظة واحترام التدابير الوقائية الأساسية، من قبيل التلقيح، وتجنب الاختلاط عند ظهور الأعراض، وحماية الفئات الهشة، والحرص على غسل اليدين وتهوية الفضاءات المغلقة. ويؤكد المختصون أن الوعي الفردي والمسؤولية الجماعية يظلان خط الدفاع الأول للتقليل من آثار موسم إنفلونزا يبدو، منذ الآن، أكثر شراسة وتحديًا.
