بين الويدان.. جنة الأطلس التي تجمع بين سحر الماء وروح الجبال

على سفوح الأطلس المتوسط، وعلى ارتفاع يفوق 800 متر، تتربع بحيرة بين الويدان كجوهرة زرقاء تستريح بين ثنايا الجبال، ممتدة على مساحة تقارب 4000 هكتار. هنا يلتقي زرقة الماء بقمم تتلون خضراء في الربيع وبيضاء حين يعانقها الثلج في الشتاء، ليصنع المكان واحدة من أجمل لوحات الطبيعة المغربية.

وعلى بُعد 28 كيلومتراً من أزيلال ونحو 60 كيلومتراً من بني ملال، لا يسمع الزائر سوى خرير الماء وهدير سد بين الويدان، أحد أعظم الإنجازات الهندسية في القرن الماضي. بُني السد في أربعينيات القرن العشرين، وافتتح سنة 1953، ليشكل ركيزة في منظومة الري وتوليد الطاقة الكهرمائية، قبل أن يتحول لاحقاً إلى قلب نابض للسياحة البيئية.

بين الويدان.. اسم يجمع الذاكرة والهندسة والطبيعة

لم يكن المكان سوى قرية صغيرة نشأت حول المشروع الهندسي العملاق، احتضنت العمال وعائلاتهم ثم تحولت تدريجياً إلى فضاء سياحي يستقبل الزوار من كل الأنحاء. هنا تتجاور الذاكرة التقنية للمغرب الحديث مع الذاكرة الطبيعية للجبال والبحيرة، في انسجام نادر يجذب آلاف الباحثين عن السكينة والجمال.

رحلة الطريق.. صعود نحو عالم آخر

الوصول إلى بين الويدان ليس مجرد انتقال جغرافي، بل رحلة بصرية ممتعة.
من الدار البيضاء أو الرباط، يكفي سلك الطريق السيار A4 نحو بني ملال، ثم متابعة الطريق الجبلية في اتجاه أزيلال فالقرية. أما القادمون من مراكش، فسيعبرون طرقاً أكثر درامية عبر تنانت وسيدي رحال، فيما يختار القادمون من فاس ومكناس المرور عبر خنيفرة ثم بني ملال.

ورغم توفر الحافلات ووسائل النقل، تبقى السيارة الخاصة أو الكراء الخيار الأمثل للاستمتاع بتوقفات الطريق وصورها الأخاذة.

البحيرة.. قلب بين الويدان ونقطة سحره الأكبر

تمتد البحيرة وسط أربع جماعات قروية، وتُعد اليوم رمزاً للتوازن بين الإنسان والطبيعة. تحيط بها غابات العرعار والبلوط، وتزخر مياهها بأنواع عديدة من الأسماك، مما يجعل الصيد نشاطاً موسمياً رائجاً لدى السكان والزوار.

في الصباح، ينساب الضباب على سطح الماء في مشهد يضاهي اللوحات الفنية، وعند الغروب تتحول البحيرة إلى مرآة تعكس دفء الأفق المائل نحو الاحمرار.

أما محبو الرياضات المائية فيجدون فيها فضاء مثالياً للسباحة والغوص وركوب القوارب، إضافة إلى رحلات الدراجات الجبلية والمشي عبر المسالك المحيطة التي تكشف عن مناظر لا نهاية لجمالها.

الطبيعة المحيطة.. جبال وقُرى معلّقة على حافة الزمن

خارج حدود البحيرة، تتناثر قرى أمازيغية مثل آيت مازيغ ووايزغت، حيث تستمر الحياة بإيقاع الجبل. في الربيع، تكسو الأزهار المروج، وفي الشتاء تتوهج القمم بالثلج. المكان هنا صالح للسياحة طيلة السنة، ويمكن الجمع بينه وبين زيارة شلالات أوزود التي تبعد قرابة ساعة و20 دقيقة.

مذاق المكان.. حين يتحدث الجبل عبر أطباقه

لا تكتمل الرحلة دون تذوق المطبخ الجبلي الذي يشتهر بطواجن اللحم بالتين أو البرقوق، والكسكس الأمازيغي المزين بالخضر الموسمية، إضافة إلى أطباق السمك الطازج المصطاد من مياه السد.

أما الشاي، فهو طقس خاص في بين الويدان، إذ يُعطَّر بالأعشاب الجبلية: الزعتر، الإكليل، الشيح… نكهات قوية تحمل في عبقها روح الجبل.

الإقامة.. بين الفخامة والضيافة الأصيلة

توفر المنطقة خيارات واسعة من الفنادق الراقية المطلة على البحيرة، إلى جانب بيوت ضيافة قروية بأسعار تتراوح بين 300 و800 درهم. كما يمكن لعشاق المغامرة اختيار التخييم قرب المياه أو وسط الغابات.

حين تغادر.. يبقى الأثر

يغادر الزائر وهو يحمل صورة الماء يحتضن الجبل، ورائحة الأعشاب الجبلية، وهدوء الطبيعة الذي يعلق في الروح. هنا يدرك أن بين الويدان ليست مجرد وجهة سياحية، بل تجربة عميقة في حضن المغرب الطبيعي والإنساني.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة