أعلنت الحكومة الإسبانية، في خطوة وُصفت بـ"الحاسمة"، تكليف الشركة الهندسية العامة "إينيكو" (Ingeniería y Economía del Transporte) بإعداد التصميم التفصيلي لنفق استكشافي أولي أسفل مضيق جبل طارق، مما يعيد إحياء مشروع الربط القاري بين إسبانيا والمغرب بعد عقود من الجمود. يُعد هذا الإجراء، الذي أصدرته الشركة الإسبانية لدراسات الاتصال الثابت عبر المضيق (SECEGSA) في 3 نوفمبر الماضي، أول تحديث شامل للدراسات منذ أكثر من نصف قرن، ويُتوقع تسليم التصميم بحلول صيف 2026، ليكون أساساً للبنية التحتية النهائية – سواء كمسار رئيسي أو نفق مساعد لأغراض السلامة واللوجستيات.
تشير التقارير الإعلامية الإسبانية، مثل "فوزبوبولي"، إلى أن الدراسة الجديدة تركز على إعادة تحديد المسار الشمالي قرب منطقة "فيخار دي لا فرونتيرا" في قادس، مع تصميم وسائل الوصول وخطوط السكك الحديدية المتصلة بمحور قادس-إشبيلية. كما تشمل مراجعة الخرائط الجيوتقنية والهيدروجيولوجية بناءً على قياسات حديثة برية وبحرية، بالإضافة إلى تحليل النشاط الزلزالي ومستويات الضغط تحت قاع المضيق، الذي يصل عمقه إلى 475 متراً في أعمق نقطة. وتُقدر الجهود الهندسية بأكثر من 15 ألف ساعة عمل، تشمل محاكاة رقمية لسيناريوهات الطوارئ والحرائق، وتجهيز أنظمة السلامة والتهوية وفق المعايير الأوروبية، مع تقييم مصادر مواد البناء المناسبة لمشروع قد يمتد لأكثر من عقد.
يُخطط النفق النهائي ليمتد حوالي 42 كيلومتراً، منها 28 كيلومتراً تحت البحر بين ساحل قادس ومنطقة ملاباطا شرق طنجة، مع مسارين للقطارات عالية السرعة ونقل البضائع، وقناة مركزية للصيانة والإسعاف. تبدأ المرحلة الأولى بنفق استكشافي إسباني لتحديد طبيعة الصخور والطبقات الرسوبية، وهي عملية قد تستغرق 6 إلى 9 سنوات، مع إطلاق طلبات العروض في 2027 وأعمال ميدانية أولية بحلول 2030، شريطة اتخاذ القرار السياسي المشترك قبل نهاية 2027.
من الناحية المالية، تُقدر التكلفة الإسبانية بـ8.5 مليارات يورو، مع سعي مدريد لدعم إضافي من برامج الاتحاد الأوروبي للجيل الجديد، في حين يواصل المغرب تحديث دراسات واجهته البحرية وشبكته السككية عبر الشركة الوطنية لدراسات المضيق (SNED)، لتعزيز دوره كبوابة تجارية رئيسية نحو إفريقيا. يُقارن المشروع، الذي يُدار بالتعاون مع الجانب المغربي، بنفق المانش بجرأته، لكنه يواجه تحديات جيولوجية أكبر بسبب تقاء الصفيحتين الأفريقية والأوراسية، مع تأجيل الإنجاز الكامل إلى 2040 وفق تقديرات حديثة.
رغم أنه في مراحله الأولية، يُمثل إحياء المشروع تجديداً للشراكة الثنائية، حيث سيُعيد رسم خريطة التجارة والسفر بين أوروبا وإفريقيا، ويخفف الضغط على الممرات البحرية، مع تعزيز المغرب كمركز لوجستي إقليمي.
