تحوّل الحكم الصادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بطنجة، ليلة 25 نونبر الجاري، إلى محطة فارقة تجمع بين عالم الراب والمال السريع وشبكات الإجرام المنظم، في مشهد يكشف عن تقاطعات معقدة بين القضاء المغربي ونظيره الفرنسي، تتجاوز حدود الخرائط الدبلوماسية لتغوص في عمق الملفات المشتركة بين البلدين.
فبعد أشهر من التحقيقات، أصدرت المحكمة حُكمها القاضي بإدانة الرابور الفرنسي المغربي “مايس”، واسمه الحقيقي وليد جورجي، بالسجن سبع سنوات نافذة، بتهم تكوين عصابة إجرامية، ومحاولة الاختطاف والاحتجاز، والتحريض على ارتكاب جنايات وجنح. لكن هذا الحكم لم يكن مجرد تتويج لمسار قضائي عادي، بل محطة تكشف عن الوجه المظلم لصناعة الراب المعاصر، وعن ارتباطاتها بشبكات العنف و”اقتصاد الانتقام” العابر للحدود.
قصة “مايس” مع القضاء لم تبدأ في المغرب، بل قبل سنوات في ضواحي باريس، حين كان يحصد ملايين المشاهدات على اليوتيوب ويرتقي بسرعة داخل دائرة فنانين ارتبط بعضهم بشبكات المخدرات وتصفية الحسابات. ومع صدور مذكرة توقيف دولية عن القضاء الفرنسي بسبب تخلفه عن حضور محاكمة في ملف “عنف جماعي” يعود إلى سنة 2018، أصبح الفنان المطلوب للعدالة الفرنسية مقيماً في دبي بدعوى تعرضه لتهديدات في محيطه السابق.
لكن اعتقاله في المغرب، خلال مروره بمطار محمد الخامس في 22 يناير الماضي، لم يكن مجرد تنفيذ آلي للمذكرة الفرنسية؛ بل تزامن مع فتح تحقيق مغربي يتعلق بقضية أكثر خطورة، تتضمن الاشتباه في تحريضه على اختطاف وتعذيب شخص بمدينة مراكش، إثر نزاع مالي مرتبط بعائدات حفلات فنية نظمت عبر عدة بلدان.
وتشير المعطيات إلى أن “مايس” تواصل مع شخص يُعتقد أنه زعيم مجموعة إجرامية وصاحب مقهى للشيشا بفاس، طالباً منه تنفيذ “عملية تأديبية” ضد شخص يعتبره خصماً له، عبر استدراجه إلى مراكش وتعريضه للاختطاف والاعتداء. وتوسّعت دائرة التخطيط لتشمل اجتماعاً بمقهى في طنجة ضم عناصر من “البانسر” وأفراداً آخرين، قبل أن ينتقل المنفذون إلى مراكش حيث نجحوا في اعتراض الضحية عند خروجه من سيارته الفاخرة، غير أن تدخل الشرطة في اللحظة الأخيرة أفشل العملية وأدى إلى اعتقال أفراد المجموعة.
التحقيقات لاحقاً كشفت عن معطيات مثيرة؛ من بينها وجود صور لمخدرات وأسلحة نارية على هواتف المشتبه فيهم، ومحادثات حول شراء مسدس وبندقية هجومية، إضافة إلى صورة لوثيقة أمنية التُقطت داخل مكتب إداري، ما عزز فرضية ارتباط الخلية بشبكات تهريب المخدرات والسلاح.
في خلفية هذا الملف، كانت صورة “مايس” تتقاطع مع ما ورد في كتاب فرنسي صدر مؤخراً بعنوان “الإمبراطورية”، والذي تناول العلاقة الملتبسة بين بعض فناني الراب في فرنسا وشبكات الإجرام، مشيراً إلى تورطه المفترض في التخطيط لعمليات انتقامية، ووجود صلات محتملة بين فرق راب وشبكات مافيا مغربية وأوروبية.
وعلى مدى شهور من الاعتقال الاحتياطي، أنكَر “مايس” كل التهم الموجهة إليه، واعتبر الملف “فارغاً” ولا يتضمن دليلاً مادياً يربطه مباشرة بالمنفذين، مشدداً على أن الأمر لا يعدو أن يكون خلافاً مالياً عادياً. لكن المحكمة المغربية اعتبرت أن الأدلة الرقمية، والمحادثات، وخطة الاستدراج المكتملة الأركان كافية لإدانته، وأصدرت أحكاماً أخرى تتراوح بين سنة وعشر سنوات في حق باقي المتهمين.
ومع إسدال الستار على هذه القضية المعقدة، بدا أن القضاء المغربي أغلق حلقة ممتدة بين ضواحي باريس ودبي ومراكش وطنجة، مؤكداً أن شهرة الفنان أو ازدواجية جنسيته لا تمنحه امتيازاً أمام سلطة القانون، وأن التعاون القضائي بين البلدين قادر على التقاطع حين تتقاطع الوقائع وتتشابك خيوط الجريمة العابرة للحدود.
