تسريبات المهداوي… زلزال يهزّ الصحافة المغربية ويفضح مشروع الهيمنة على المهنة

تستمر تسريبات الصحافي حميد المهداوي في زلزال الوسط الصحافي المغربي بقوة غير مسبوقة، كاشفةً ما تراكم في الظل لسنوات طويلة من اختلالات بنيوية، وتجاوزات أخلاقية، وممارسات تسيء للمهنة وتحتقر أهلها، وتعرّي وجوهاً قدمت نفسها كـ«حماة للتنظيم الذاتي»، فإذا بها تشتغل بمنطق تصفوي لا يمت بصلة لقيم المهنية، ولا يليق حتى بتسيير مؤسسات هامشية، فما بالك بهيئات مكلفة بصيانة شرف المهنة وأخلاقياتها.

لقد عاش الصحافيون المغاربة طويلاً تحت وطأة خيبات متلاحقة، سببها من استحوذوا على مواقع القرار داخل القطاع، سواء من السياسيين الذين دخلوا المشهد الإعلامي بلا تكوين ولا تجربة، أو من المستفيدين من الريع والتعيينات الذين قفزوا فوق السلالم المهنية قفزاً، قبل أن يأتي يوم ينكشف فيه المستور مع أول اختبار أخلاقي جدي.

ولا تكمن الفضيحة في جملة أو سلوك عابر، بل في العقلية التي فضحتها التسجيلات: عقلية ترى الصحافي «ملفاً» يجب تدجينه، لا صوتاً مستقلاً يؤدي دوراً مركزياً في أي حياة ديمقراطية. وإذا كانت هذه هي اللغة المتداولة داخل لجنة يفترض أنها خط الدفاع الأول عن سمعة الصحافة، فكيف تبدو إذن كواليس المؤسسات الأخرى؟ وأي مستقبل ينتظر قطاعاً يعيش أصلاً إحدى أكثر مراحله هشاشة؟

التسريب… من يقف وراءه؟ ولماذا يظهر الآن؟

يحاول البعض تحويل النقاش نحو السؤال: من سرّب تسجيلات المهداوي؟ ولماذا؟ لكن هذا السؤال، مهما كانت مشروعيته، يظل التفافاً على جوهر الأزمة:

الأخطر ليس من سرّب، بل ما الذي قيل وكيف قيل.

ومع ذلك، ليس مستبعداً أن يكون المُسرِّب من داخل المجلس نفسه، وهو السيناريو الأكثر منطقية بالنظر لطبيعة الاجتماعات. فاختراق جلسات مغلقة أمر شبه مستحيل من الخارج، ما يرجّح أن يكون وراء التسريب عضو أو موظف لم يعد يحتمل ما يجري، فاختار كشف الحقيقة وفضح التجاوزات انسجاماً مع ضمير مهني أو رغبة في وقف مسار السيطرة على المجلس الوطني للصحافة.

مشروع القانون… الخطر الذي يلوح في الأفق

بالتوازي مع هذه العاصفة، تسعى أطراف نافذة إلى تمرير مشروع القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة، وهو مشروع يثير قلقاً واسعاً داخل المهنة لكونه يُنظر إليه كأداة للهيمنة أكثر منه إطاراً لتنظيم مستقل.

وإذا تم اعتماد هذا المشروع بصيغته الحالية، وفرض على الصحافيين رغم اعتراضاتهم، فستدخل الصحافة المغربية مرحلة قد تكون الأكثر قتامة في تاريخها: مرحلة يصبح فيها المجلس جهازاً إدارياً منزوع الروح، خاضعاً أكثر مما هو ممثل للمهنيين.

قطاع على حافة الانهيار

التسريبات لم تفضح فقط انزلاقات لفظية أو سلوكية، بل كشفت أزمة عميقة تمس الشرعية والتمثيلية والأخلاق داخل مؤسسة يُفترض أنها مرجع في العدالة المهنية، وإذا استمرت الأمور بنفس الاتجاه، فإن ما تبقى من «صاحبة الجلالة» في المغرب مهدد بأن يتحول إلى قطاع فاقد للاستقلالية، منزوع الجرأة، ومُفرغ من دوره المجتمعي.

خلاصة… زمن المجاملة انتهى

لم يعد هناك متسع للخطابات الملطفة، المسألة اليوم واضحة:

إما الدفاع عن مهنة الصحافة الآن، وإما مشاهدة سقوطها النهائي على يد أولئك الذين يتحدثون باسمها ويدّعون حمايتها.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة