في وقت يُفترض فيه أن تكون وزارة الصحة والحماية الاجتماعية حارسًا أمينًا للقانون وضامنًا للشفافية في إجراءات منح تراخيص المصحات ومراكز الأشعة، تكشف معطيات ميدانية عن واقع إداري يعكس الارتجال والازدواجية، بل وأحيانًا تواطؤًا صامتًا يقوض مصداقية الإدارة المركزية للوزارة.
القضية التي اندلعت مؤخرًا تمثل نموذجًا صارخًا لهذه الفوضى الإدارية. فقد وجدت طبيبة متخصصة في الفحوصات بالأشعة نفسها ضحية شراكة مهنية تحولت إلى نزاع قضائي مع شركاء سابقين، بعد إقصائها من مشروع مركز أشعة كانت من مؤسسي ومسيّري. لم يعد النزاع مجرد خلاف تجاري، بل امتد إلى ملف قضائي معقد يشمل اتهامات بالتزوير واستعماله، والنصب، وخيانة الأمانة، كما أكدت وثائق رسمية تفيد بمتابعة الأطراف المتهمين أمام قاضي التحقيق.
ورغم خطورة هذه التطورات، ووجود إجراءات قضائية قائمة، فوجئت الطبيبة المتضررة –وفقًا لمراسلتها الرسمية الموجهة إلى الكاتب العام للوزارة– بأن الإدارة المركزية على وشك منح إذن نهائي لمركز جديد للتصوير بالأشعة في نفس الموقع المتنازع عليه، وباسم شركة جديدة تابعة لأقارب المتهمين، مع إدراج طبيبة "صورية" لإكمال الشروط القانونية الشكلية.
كيف يُمكن لوزارة مسؤولة أن تتجاهل شكوى رسمية، وتستمر في منح ترخيص لموقع محل نزاع قضائي، خاصة في قضية تشمل اتهامات بالنصب والتزوير؟ إن مثل هذه الإجراءات تضرب في صلب مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الدستور المغربي، وتُقوّض مصداقية وزارة يُفترض أن تكون قدوة في احترام القانون. والأشد إيلامًا أن هذا التراخي الإداري قد يُفسَّر في الأوساط المهنية كإشارة ضمنية إلى أن النفوذ والعلاقات تفوق النصوص التنظيمية، وأن العدالة يمكن الالتفاف عليها عبر مساطر إدارية متساهلة.
يحق للرأي العام، ولمهنيي القطاع الصحي، أن يوجهوا تساؤلات مباشرة إلى وزير الصحة:
- كيف تسمح الوزارة بتقديم إجراءات الترخيص في موقع محل نزاع قضائي مثبت؟
- أين يكمن مبدأ التحري الإداري، والتنسيق مع النيابة العامة قبل إصدار قرارات قد تُعتبر تشجيعًا غير مباشر على التحايل؟
ما يجري اليوم في أروقة مديرية التجهيزات والتراخيص بوزارة الصحة يفرض وقفة تأمل عميقة لمراجعة آليات منح الأذون المسبقة والنهائية لإنشاء المراكز الطبية. فحين يُحوَّل الإذن الإداري إلى أداة لتصفية الحسابات أو تغطية أعمال احتيالية، يتآكل الثقة بين الدولة والمهنيين، وتذبل معها هيبة القانون.
تقع المسؤولية السياسية والإدارية، في المقام الأول، على عاتق وزير الصحة والحماية الاجتماعية، الذي لا يمكنه التملص بالجهل أو الاكتفاء بتحقيقات داخلية. فالقضية تمسُّ سمعة القطاع بأكمله، وتتطلب موقفًا واضحًا وشجاعًا يُعيد الاعتبار لمبادئ الشفافية والمساواة أمام القانون.
ويظل السؤال مفتوحًا: هل سيتدخل الوزير لإيقاف هذه الفضيحة الإدارية، أم سيبقى "منطق الترخيص مقابل النفوذ" القاعدة غير المكتوبة في دواليب الوزارة؟
