أعلن المغرب رسميًا مشاركته في النسخة التاسعة عشرة لمعرض دبي الدولي للطيران، الذي انطلق يوم الاثنين 17 نونبر 2025، ويجمع مسؤولين وفاعلين من أكثر من 150 دولة، بقيادة وزير النقل واللوجستيك عبد الصمد قيوح للوفد المغربي. يُعد هذا التجمع العالمي، الذي يُنظم كل عامين، فرصة استراتيجية للمملكة لإعادة صياغة ملامح قطاع النقل الجوي جذريًا، استعدادًا للاستحقاقات الكبرى المقبلة، لا سيما كأس العالم 2030 المشتركة مع إسبانيا والبرتغال.
غير أن الواقع على أرض الملعب يُظهر شركة الخطوط الملكية المغربية "لارام" كـ"الغائبة الأبرز"، في الوقت الذي أبرزت فيه شركات إفريقية وإقليمية منافسة حضورها من خلال صفقات وشراكات غير مسبوقة. يظل أسطول "لارام" راكدًا بشكل يثير الاستغراب، رغم الإمكانيات الهائلة التي خصصتها الحكومة له، بما في ذلك 25 مليار دولار لشراء طائرات جديدة، دون أن يستفيد من مثل هذه التظاهرات لتسريع التوسع.
"لارام" المختفية في دبي
إذا كان وصف حميد عدو، الرئيس المدير العام لـ"لارام"، بأنه غارق في "سبات عميق" يُعتبر مبالغًا فيه من قِبل البعض –نظراً لظهوره الإعلامي المتقطع– فإن وصف إيقاع عمله بـ"البطء الشديد حد الغرابة" يبدو موضوعيًا تمامًا، خاصة مع النظر إلى الإمكانيات المرصودة والصلاحيات الممنوحة له لتحويل النقل الجوي المغربي، استعدادًا لكأس العالم وللنقلة النوعية المتوقعة في القطاع السياحي. يواجه عدو منافسة شرسة داخل القارة الإفريقية، لم تعد محصورة في الدول الكبرى مثل جنوب إفريقيا ومصر أو اللاعبين التقليديين مثل إثيوبيا، بل امتدت إلى بلدان أخرى برزت في معرض دبي.
فالخطوط الجوية السنغالية، على سبيل المثال، صنعت الحدث بتوقيع اتفاقية مع "بوينغ" الأمريكية لتعزيز أسطولها بـ9 طائرات من طراز "737 ماكس"، في أكبر صفقة في تاريخها منذ تأسيسها عام 2016، ضمن خطة لتوسيع حضورها كمركز جوي إقليمي في غرب إفريقيا مع توغل أكبر في أوروبا. كما تعاقدت الكوت ديفوار مع "إمبراير" البرازيلية على شراء 4 طائرات من طراز "إي 175"، مع خيار 8 إضافية، لتطوير أسطولها وتوسيع رحلاتها الإقليمية. أما الخطوط الجوية الإثيوبية، فقد استغلت المناسبة لتأكيد طلب 11 طائرة "737 ماكس" مع "بوينغ"، لتعزيز شبكتها الإقليمية والدولية.
صفقات عدو المتعثرة
بالتوازي، يظل حضور "لارام" خافتًا في المعرض، رغم مشاركة المغرب عبر رواق الوكالة الوطنية لتنمية الاستثمارات والصادرات. يُفسَّر ذلك جزئيًا بعقد البرنامج الموقع في 11 يوليوز 2023 بالرباط بين عدو ورئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي خصص غلافًا ماليًا قياسيًا بـ25 مليار دولار للفترة 2023-2037، بهدف مضاعفة الأسطول أربع مرات ليصل إلى 200 طائرة. دفع ذلك عدو إلى مفاوضات مع "بوينغ" و"إيرباص" و"إمبراير"، لكن التعقيدات أعاقت التقدم، كما اعترف المدير العام نفسه.
في يونيو الماضي، عبر عدو عن إحباطه في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" بسبب تأخر "بوينغ" في تسليم الطائرات، مع فترات تصل إلى 18 شهرًا. وصل المغرب فعليًا إلى 3 طائرات "بي 737 ماكس" فقط، مع توقع 7 أخرى بنهاية دجنبر 2025، إذا سارت الأمور "في الاتجاه الصحيح". وفي يونيو، أفادت "رويترز" بقرب "لارام" من صفقة مع "بوينغ" لعشرات الطائرات، بينما تسعى "إيرباص" لكسب موطئ قدم بطلبية 20 طائرة "إي 220"، وفق "بلومبرغ"، التي أشارت إلى دراسة شراء 74 طائرة أمريكية إضافة إلى 20 من "إيرباص".
لماذا الإصرار على "بوينغ"؟
إصرار عدو على "بوينغ" يُعد لغزًا، إذ يعتمد الأسطول المغربي بالكامل على الطائرات الأمريكية منذ توليه المنصب عام 2016 خلفًا إدريس بنهيمة، الذي كان يفضل التنويع مع "إيرباص" للمنافسة. مع ضغوط الزمن –حيث يجب الوصول إلى 100 طائرة على الأقل قبل 2030، كما أكد قيوح أمام مجلس النواب في أبريل الماضي– بحث عدو عن موردين متنوعين، لكن "بوينغ" حافظت على حصة الأسد.
حلول ترقيعية
يهدف "لارام" إلى 130 طائرة بحلول موعد المونديال، كما أعلنت مديرة القطب التجاري إلهام كازيني في مؤتمر "ويلكم ترافل غروب" ببوزنيقة أبريل الماضي، متجاوزة الطموح الحكومي. دفع ذلك إلى خطوات ارتجالية، أبرزها لجوء الشركة إلى تأجير طائرات مستعملة عبر "البيع وإعادة التأجير"، حيث اكترت 6 طائرات "بوينغ 737 ماكس 8" من شركة إيرلندية اشترتها بدورها من "القطرية"، بعمر يتجاوز 6 سنوات. أثارت هذه الخطوة جدلاً، إذ حدث التغيير الخارجي (الصباغة) فقط، بينما بقي الديكور الداخلي كما هو، كما لاحظ مسافرون.
تُثير مثل هذه "الحلول" تساؤلات حول سمعة "لارام" في سوق تنافسي، حيث رقّت الشركات العالمية خدماتها في الدرجتين الاقتصادية ورجال الأعمال إلى مستويات فاخرة، بينما تكافح الشركة المغربية لضمان رحلات مريحة تحمل هوية وطنية، خاصة في الوجهات الطويلة مثل مصر والصين والبرازيل، التي حوّلها منافسوها إلى تجارب فريدة.
