في لحظة تاريخية للطاقة المتجددة في إفريقيا، أصبح المغرب ثالث أكبر منتج لطاقة الرياح على مستوى القارة، مُشَكِّلاً مع جنوب إفريقيا ومصر ثلاثية حصرية تستحوذ على أكثر من 70% من القدرة التشغيلية للرياح في إفريقيا. هذا الإنجاز لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة سنوات من الاستراتيجية الطموحة التي بدأها المغرب منذ 2009، والتي بدأت تُؤْتِي أُكُلَها بشكل مذهل في السنوات الأخيرة.
وفقًا لتقرير حديث صادر عن منصة «غلوبال إنرجي مونيتور» في نوفمبر 2025، بلغ إجمالي القدرة المركبة لطاقة الرياح في القارة الإفريقية 9.63 غيغاواط، منها 6.9 غيغاواط – أي 71% – موزعة بين ثلاث دول فقط: جنوب إفريقيا بـ3.7 غيغاواط، مصر بـ1.9 غيغاواط، والمغرب بـ1.3 غيغاواط. هذا التركيز الشديد يعكس واقعًا مؤسفًا: 54 دولة إفريقية لا تملك أي قدرة رياح تشغيلية على الإطلاق، مما يجعل المغرب ليس فقط رائدًا عربيًا، بل قائدًا إفريقيًا حقيقيًا في هذا المجال.
ما يُمَيِّزُ المسار المغربي هو التسارع الملحوظ في السنوات الأخيرة. منذ 2023، تجاوزت طاقة الرياح الكهرومائية لتصبح المصدر الأول للكهرباء المتجددة في المملكة، حيث قفزت حصتها من إجمالي الإنتاج الكهربائي المتجدد من 15.43% في 2023 إلى 21.23% مع نهاية 2024 – أي زيادة بأكثر من 5.8 نقطة مئوية في سنة واحدة فقط. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل دليل حي على نجاح استراتيجية الطاقة المتجددة التي أطلقها المغرب منذ أكثر من عقد ونصف.
القصة بدأت فعليًا مع مشروع محطة طرفاية عام 2014، التي كانت آنذاك أكبر محطة رياح في إفريقيا بقدرة 300 ميغاواط. تبعتها مشاريع أخرى كبرى مثل ميدلت وخنيفيس، ثم جاءت المشاريع العملاقة في الأقاليم الجنوبية: محطة الداخلة بقدرة 900 ميغاواط وجرف الملح بـ400 ميغاواط، وكلاهما قيد الإنجاز ومن المتوقع أن يرفعا القدرة المركبة إلى أكثر من 3 غيغاواط بحلول 2030.
لكن النجاح لا يقتصر على الأرقام. ففي وقت تعاني فيه دول إفريقية كثيرة من نقص حاد في الطاقة، نجح المغرب في تحقيق فائض كهربائي في أوقات الذروة، بل ويخطط لتصدير الكهرباء النظيفة إلى أوروبا عبر كابلات بحرية. وهذا الفائض لم يأتِ من الطاقة الشمسية فقط، بل ساهمت فيه طاقة الرياح بشكل كبير، خاصة مع الرياح القوية التي تهب على الساحل الأطلسي والمناطق الجنوبية.
ما يجعل هذا الإنجاز أكثر أهمية هو السياق العالمي. فمع ارتفاع أسعار الطاقة التقليدية وتزايد الضغوط البيئية، أصبحت الطاقات المتجددة ليست خيارًا بل ضرورة. والمغرب، الذي كان يستورد أكثر من 95% من احتياجاته الطاقية قبل 15 عامًا، أصبح اليوم نموذجًا يُحْتَذَى به في التحول الطاقي، حيث يهدف إلى الوصول إلى 52% من الطاقة المتجددة بحلول 2030، وهو هدف لم يعد بعيد المنال مع هذا التسارع المذهل في طاقة الرياح.
في النهاية، لم يعد المغرب مجرد دولة تُطَوِّرُ طاقتها المتجددة، بل أصبح لاعبًا رئيسيًا في رسم مستقبل الطاقة النظيفة في القارة الإفريقية بأكملها. وإذا استمر هذا الزخم، فقد نرى قريبًا المغرب في المرتبة الثانية أو حتى الأولى إفريقيًا في طاقة الرياح، مُثْبِتًا أن الإرادة السياسية القوية والتخطيط الاستراتيجي الطويل الأمد قادر على تحويل دولة مستوردة للطاقة إلى مصدّرة لها… ومصدّرة للأمل أيضًا.
