بين الخطاب الرسمي المليء بمصطلحات “الرقمنة” و“تسهيل المساطر”، وبين ما يعيشه القادمون إلى المغرب فعليًا داخل مطاراته، تتسع فجوة يصعب تجاهلها. ومع انطلاق نهائيات كأس أمم إفريقيا 2025، كان يُفترض أن تشكّل مطارات المملكة واجهة مشرّفة لبلد اختار احتضان أكبر تظاهرة كروية في القارة، غير أن الواقع كشف، مرة أخرى، محدودية جاهزية المكتب الوطني للمطارات، وعجزه عن مواكبة حجم الرهان.
بلاغ المكتب الأخير، الذي تحدّث عن تسريع رقمنة مسار المسافر بمطار محمد الخامس، بدا متأخرًا وارتجاليًا، أقرب إلى محاولة لاحتواء الانتقادات المتصاعدة، منه إلى ثمرة تخطيط استراتيجي استبق الحدث بسنوات. فالرقمنة، في منطق التدبير الحديث، لا تُقاس بعدد آلات التسجيل الذاتي أو بوضع لافتات تقنية، بل بمدى نجاعة المنظومة ككل، وقدرتها على تحسين تجربة المسافر منذ لحظة وصوله إلى أرض المطار إلى مغادرته في ظروف سلسة ومحترمة.
الواقع أن أغلب مطارات المملكة لا تزال تعاني اختلالات بنيوية مزمنة، من طوابير طويلة وارتباك في التوجيه، إلى ضعف التواصل ونقص الموارد البشرية المؤهلة، وصولًا إلى بنية استقبال لا توازي طموح بلد يسوّق نفسه كقطب سياحي ورياضي إقليمي. فما جدوى آلة تسجيل ذاتي إذا كان المسافر يقضي بعدها ساعة أو أكثر في مسارات التفتيش أو انتظار الأمتعة؟ وما قيمة الحديث عن “البيومتريا” في ظل غياب التنظيم ووضوح المسؤوليات؟
الأخطر أن المكتب الوطني للمطارات أضاع فرصة استثنائية لتقديم صورة مختلفة عن المغرب خلال “الكان”، فرصة كان يمكن أن تجعل من تجربة الوصول إلى المملكة عنصر جذب حقيقي، لا صدمة أولى تترك انطباعًا سلبيًا لدى الزائر الإفريقي والأجنبي. فالمطار ليس مجرد نقطة عبور تقنية، بل هو أول رسالة يتلقاها القادم عن البلد، ورسالة المغرب اليوم، للأسف، يشوبها كثير من الارتجال وسوء التدبير.
ولولا عاملان أساسيان، لكانت الصورة أكثر قتامة: كرم المغاربة ويقظة الأجهزة الأمنية. فحسن الاستقبال الإنساني، والشعور بالأمن والاستقرار، يخففان من حدة الاختلالات، لكنهما لا يمكن أن يعوّضا فشل مؤسسة يفترض فيها أن تكون في صلب الرهان اللوجستيكي والتنظيمي للبطولة.
المفارقة المؤلمة أن الزائر قد يغادر المغرب بانطباع إيجابي عن الناس والأمن والأجواء العامة، لكنه إن اختزل تجربته في ما عاشه داخل المطارات، فلن يفكر كثيرًا في العودة. لأن العشوائية، وغياب الرؤية، وضعف الحكامة، لا تشجع لا على السياحة، ولا على الاستثمار، ولا على بناء الثقة.
إن مواكبة تظاهرة بحجم كأس أمم إفريقيا لا تكون ببلاغات منمقة ولا بإجراءات ترقيعية في اللحظات الأخيرة، بل بإصلاح جذري لمنظومة المطارات، يبدأ بالمحاسبة، ويمر عبر تحديث حقيقي لأساليب التدبير، وينتهي بإعادة الاعتبار للمسافر كعنصر مركزي في صورة المغرب الدولية.
وإلى أن يتحقق ذلك، سيظل المكتب الوطني للمطارات الحلقة الأضعف في سلسلة نجاح “كان 2025”، وعنوانًا لإخفاق إداري يهدد بتحويل الإنجازات الكبرى للمملكة إلى فرص ضائعة عند أول نقطة عبور: المطار.
