235 مليون سنتيم بلا أثر: عندما تتحول صفقات SNRT إلى مشاريع وهمية...

في خضم الزخم الإعلامي المصاحب لاستعداد المغرب لاحتضان كأس إفريقيا للأمم 2025 والمشاركة في تنظيم مونديال 2030، وجدت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون (SNRT) نفسها في قلب جدل جديد، عقب الكشف عن صفقة بقيمة 235 مليون سنتيم أبرمتها مع شركة أجنبية متخصصة في الحلول السمعية البصرية، BSS Broadcast & Studio Solutions، بهدف إحداث استوديو متطور يعتمد تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز.

الصفقة، التي رُوّج لها على أنها خطوة نوعية من شأنها إحداث نقلة حقيقية في الإعلام الرياضي الوطني، لم تُترجم على أرض الواقع إلى أي إضافة ملموسة. فمع اقتراب موعد كأس إفريقيا، اختفت هذه التجهيزات كليًا من المشهد، دون أثر يُذكر للاستوديو الموعود، في وقت ما زالت فيه القناة الرياضية المغربية، الممولة من المال العام، تكتفي بإعادة بث مباريات من القسم الثاني للبطولة الوطنية، دون أي تطوير يُذكر في المحتوى أو الإخراج.

وكان من المفترض أن تُنجز الشركة الأجنبية المشروع في غضون ستة أشهر، غير أن مرور أكثر من عام ونصف على انطلاق الأشغال، دون ظهور نتائج واضحة، يطرح تساؤلات جدية حول نجاعة التتبع والمراقبة داخل SNRT، وقدرتها على تحويل الاستثمارات العمومية إلى مشاريع ذات قيمة مضافة حقيقية.

ويزداد المشهد تعقيدًا مع تكرار الحديث عن مشاريع طموحة، من قبيل إطلاق قنوات جديدة أو إعادة هيكلة القناة الرياضية، وهي وعود تبدو جذابة نظريًا، لكنها تفتقر، في الواقع، إلى رؤية استراتيجية متكاملة. فبدل أن تندرج هذه الصفقات ضمن مخطط واضح لتحديث الإعلام الرياضي، تحولت إلى مجرد إجراءات تجميلية معزولة، غير قادرة على معالجة الأعطاب البنيوية التي تعاني منها المؤسسة منذ سنوات.

الأكثر إثارة للقلق أن هذه الصفقات، مهما بلغت قيمتها، لا يمكنها لوحدها إصلاح الاختلالات الإدارية، أو الارتقاء بجودة المضامين، أو ضمان استدامة إعلام رياضي يواكب طموحات المغرب القارية والدولية. فبدل أن تكون SNRT رافعة إعلامية تعكس صورة بلد مقبل على تنظيم أكبر التظاهرات الكروية، تبدو غارقة في منطق التدبير الترقيعي، وسط اتهامات مستمرة بهدر المال العام وضعف الحكامة، خاصة في ظل استمرار نفس الوجوه على رأس المؤسسة دون تسجيل أي تحول إيجابي ملموس.

إن الرهان الحقيقي اليوم لا يكمن في إنشاء استوديو افتراضي بقدر ما يتجسد في بلورة استراتيجية شاملة لإعادة بناء الإعلام الرياضي المغربي، تقوم على الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان توجيه الاستثمارات نحو الإنتاج والابتكار والاحتراف، بدل إهدارها في مشاريع غير مكتملة، تترك المشاهد المغربي أمام شاشة لا تعكس حجم التحديات ولا طموحات المرحلة.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة