لم تكن الفيضانات الكارثية التي اجتاحت مدينة آسفي يوم 14 دجنبر الجاري مجرد "غضبة طبيعية" عابرة، بل تحولت إلى قضية رأي عام وحقوقي شائكة. فقد وجهت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان انتقادات لاذعة وحادة لما وصفته بـ "التعتيم الرسمي والإعلامي" الذي يحيط بتداعيات هذه الفاجعة، مستغربة التأخر المريب في الإفصاح عن المعطيات الحقيقية المتعلقة بعدد الضحايا وحجم الخسائر المادية.
التعتيم وخرق الحق في المعلومة
في بلاغ شديد اللهجة صادر عن مكتبها المركزي، أكدت الجمعية أن الحصيلة الواقعية للفاجعة ما تزال "مجهولة"، داعية السلطات إلى الكشف الفوري عن الأرقام الكاملة احتراماً لحق المواطنين الدستوري في الوصول إلى المعلومة. واعتبرت الجمعية أن حالة الغموض تزيد من احتقان الشارع وتفتح الباب أمام التأويلات، في وقت كان يُفترض فيه إعمال الشفافية المطلقة.
مخلفات "الفوسفاط" وتحقيقات تقنية معلقة
فجرت الجمعية مفاجأة من خلال الإشارة إلى معطيات ميدانية تؤكد مساهمة مخلفات المكتب الشريف للفوسفاط (OCP)، وتحديداً الوحدات المرتبطة بالغبار الأسود وعمليات الغسيل والتجفيف، في انسداد مصارف المياه. هذا العجز التقني في استيعاب التساقطات أدى، حسب البلاغ، إلى تفاقم السيول وتوجيهها نحو المناطق المأهولة. وفي هذا الصدد، طالبت الجمعية بفتح تحقيق تقني مستقل لتحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات على المنشآت الصناعية والشركات المفوض لها تدبير قطاع التطهير السائل.
بنية تحتية من "الزمن الاستعماري"
سلط البلاغ الضوء على اختلال بنيوي عميق، كاشفاً أن مخطط التهيئة الحضرية لمدينة آسفي لم يخضع للتحيين منذ الحقبة الاستعمارية. هذا التقادم، تضاف إليه قنوات صرف صحي متهالكة وممتلئة بالأتربة والنفايات، جعل المدينة عاجزة أمام التقلبات المناخية.
ملاحظة تقريرية: أشارت الجمعية إلى أن هذه الكارثة جرى التنبؤ بها في تقرير تقني رسمي مؤرخ في 5 يناير 2022، حدد المناطق المعرضة للخطر بدقة واقترح حلولاً تقنية بقيت "حبيسة الرفوف" دون تفعيل.
مسؤولية الدولة ولجنة "اليقظة الغائبة"
حمّلت AMDH الدولة بمختلف مؤسساتها، والوزارات الوصية (خاصة وزارة التجهيز والماء)، المسؤولية الكاملة عن الفاجعة. وانتقدت بشدة ما وصفته بـ "الغياب غير المبرر للجنة اليقظة الإقليمية"، التي لم تتحرك بالسرعة المطلوبة رغم صدور نشرات إنذارية مسبقة، معتبرة ذلك "تقصيراً جسيماً يستوجب المساءلة القضائية".
مطالب عاجلة: آسفي "منطقة منكوبة"
ختمت الجمعية بلاغها بحزمة من المطالب الاستعجالية، تضمنت:
إعلان الأحياء المتضررة في آسفي "مناطق منكوبة".
فتح تحقيق قضائي نزيه في شبهات الفساد المالي والغش في أوراش البنية التحتية.
توفير الدعم النفسي والمادي العاجل للأسر المكلومة، وتعويض المتضررين بما يحفظ كرامتهم.
محاسبة الشركات المفوض لها تدبير قطاعات النظافة والتطهير التي لم تقم بواجبها في صيانة القنوات.
تضع هذه الانتقادات الحقوقية السلطات المحلية والمركزية أمام امتحان حقيقي للمساءلة، في انتظار رد رسمي يوضح ملابسات ما وقع في "حاضرة المحيط" خلف ستار الأمطار الكثيفة.
