تحقيق يفجّر حملات تضليل منسّقة لصالح رئيس الحكومة عزيز أخنوش وحزبه

لم يعد توظيف الأدوات الرقمية في الصراع السياسي مجرد تكهنات، لكن التحقيق الاستقصائي الذي نشرته شبكة “أريج” كشف عن معطيات صادمة، إذ أزاح الستار عن شبكة واسعة من الحسابات الوهمية يُشتبه في استخدامها لسنوات لصناعة صورة إيجابية لرئيس الحكومة عزيز أخنوش وحزب التجمع الوطني للأحرار، مقابل حملات ممنهجة تستهدف الخصوم والمعارضين والحركات الاحتجاجية.

التحقيق اعتمد على تحليل موسّع للبيانات، انطلق من تعليق مكرر واحد ليكشف لاحقاً عن منظومة رقمية تضم أكثر من 140 حساباً وهمياً تعمل بنفس الأسلوب والتوقيت، مستخدمة صوراً وهويات مسروقة. وتظهر هذه المعطيات وجود بنية دعائية تعمل في الخفاء، مهمتها تلميع طرف وتشويه آخر، وبناء شعبية رقمية مصطنعة.

تضليل رقمي ممنهج.. وقضية بنكيران مثال بارز

من أبرز الأمثلة ما وقع خلال الانتخابات الجزئية بفاس في أبريل 2024، حيث جرى اقتطاع جزء من تصريح لعبد الإله بنكيران وإخراجه من سياقه، قبل إطلاق حملة منسّقة تقودها حسابات مرتبطة بأطر داخل حزب التجمع لإثارة الغضب وتحريك الناخبين. العملية بدت أقرب إلى “هندسة رأي عام” منها إلى تفاعل طبيعي على المنصات.

نفس الشبكة ضد احتجاجات الأساتذة وطلبة الطب

وكشف التحقيق أيضاً أن الحسابات نفسها استُخدمت لشن حملات تشويه ضد الأساتذة وطلبة الطب خلال الاحتجاجات، عبر تعليقات مكررة تصفهم بـ“المتمردين”، في محاولة لخلق انطباع بوجود رفض شعبي للاحتجاجات رغم أن الواقع مختلف.

حتى الاقتصاد لم يَسلم

وُجهت الشبكة أيضاً نحو المجال الاقتصادي، حيث جرت حملة لترويج انخفاض وهمي في أسعار اللحوم في شتنبر 2024، عبر صور غير دقيقة ومحتوى لا يعكس المعطيات الرسمية التي كانت تشير إلى استمرار ارتفاع الأسعار.

فراغ قانوني وضعف تدخل المنصات

سلّط التحقيق الضوء على هشاشة الإطار القانوني الذي ينظم هذه الأنشطة الرقمية الممنهجة، إضافة إلى ضعف تفاعل شركة “ميتا” رغم أن سياساتها تمنع السلوك المنسّق المضلِّل. هذا الفراغ سمح باستمرار نشاط هذه الشبكات لسنوات دون مساءلة.

زعامة رقمية تُبنى في الخفاء

وفق التحقيق، فإن جزءاً كبيراً مما يُقدَّم كـ“شعبية رقمية” لحزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس الحكومة ليس سوى نتاج عمل حسابات وهمية، وإعجابات وتعليقات مصطنعة، تخدم سردية سياسية محددة وتؤثر في الوعي العام.

ما تكشفه هذه المعطيات لا يخص فاعلاً سياسياً واحداً بقدر ما يعكس أزمة أعمق: أزمة ثقة وشفافية، وتحوّل المجال الرقمي إلى ساحة قابلة للاستغلال السياسي دون ضوابط واضحة.

إن ما نشرته “أريج” يمثل جرس إنذار يدعو إلى نقاش وطني حول حماية الفضاء الرقمي، وضبط استخدامه سياسياً، ووضع حد لثقافة صناعة الشعبية بدل كسبها عبر الإنجاز الفعلي، بعيداً عن الحملات الموجهة و“الجيوش الإلكترونية”.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة