مرة أخرى، يفجع الرأي العام بخبر مأساوي قادم من الهامش، ومرة أخرى تُزهق الأرواح بصمت تحت العنوان ذاته: الإهمال. أربعة أشخاص لقوا مصرعهم بوادي فزو بإقليم تنغير، بعدما باغتتهم السيول أثناء محاولتهم عبور مقطع طرقي معروف بخطورته، في حادثة تعيد إلى الواجهة سؤال المسؤولية الغائبة قبل أن تفرض حضورها بعد الكارثة.
الحديث عن “الأقدار” لم يعد مقنعًا، ولا كافيًا لتفسير تكرار هذا النوع من المآسي. فالوادي معروف، وخطورته ليست وليدة اللحظة، ومع ذلك ما تزال الطريق مفتوحة دون جسر أو قنطرة أو ممر آمن، وكأن العبور مغامرة مفروضة على السكان، بين حياة محتملة وموت متوقع.
الأكثر إيلامًا أن التحذيرات الجوية تتكرر، والتنبيهات الرسمية لا تنقطع، لكن على مستوى التدبير الميداني لا شيء يتغير. لا تشوير كافٍ، لا حواجز تُغلق المقاطع الخطرة في الوقت المناسب، ولا حضور استباقي فعلي للسلطات. الجميع يتحرك بعد وقوع الفاجعة، حين يصبح التدخل مرادفًا لانتشال الجثث بدل إنقاذ الأرواح.
سكان المناطق النائية يدفعون الثمن الأكبر، لأنهم ببساطة لا يملكون بدائل. طرق مهترئة، عزلة قاسية، ومسافات طويلة تجعل عبور الوادي خيارًا اضطراريًا، لا تهورًا فرديًا. هنا تتحول المسؤولية من سلوك أشخاص إلى فشل سياسات عمومية عجزت عن توفير الحد الأدنى من السلامة المجالية.
صحيح أن الوعي والحذر مطلوبان، لكن لا يمكن تحميل الضحايا كامل المسؤولية، في ظل غياب بنية تحتية تحميهم. فالمواطن ليس خبيرًا في الأرصاد ولا مهندس طرق، بل إنسان يسعى للمرور، وللاستمرار في الحياة.
ما حدث في وادي فزو ليس مجرد حادث عرضي بسبب السيول، بل فضيحة تنموية تكشف التناقض الصارخ بين خطاب العدالة المجالية وواقع طرق ما تزال تحصد الأرواح مع كل تساقط مطري.
إلى متى سنواصل عدّ الضحايا بدل بناء الجسور؟ وإلى متى ستبقى الحلول مؤجلة، بينما تتحول الأخطار المعروفة إلى مآسٍ متكررة؟ إن أرواح ضحايا وادي فزو ليست أرقامًا عابرة، بل رسالة صارخة بأن الصمت عن الخطر هو شكل من أشكال المشاركة فيه.
