تقرير جديد: “المخطط الأخضر” خلق الثروة وعمّق العطش والتبعية الغذائية...

بعد أكثر من خمسة عشر عامًا على إطلاق “مخطط المغرب الأخضر”، الذي أدارته وزارة الفلاحة خلال فترة قيادة عزيز أخنوش لها، تكشف التقارير الحديثة أن ما قُدم حينها كاستراتيجية للنهوض بالقطاع الفلاحي تحوّل إلى نموذج مُكلف لاستنزاف الموارد المائية وتعميق التبعية الغذائية وتوسيع الفجوة بين الفلاحين.

تقرير جديد للمركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة حمل خلاصة صادمة، مؤكداً أن “النجاحات التصديرية” التي جرى الترويج لها لسنوات لا تعكس واقع القطاع الحقيقي، بل تخفي هشاشة عميقة تقوم على استغلال مكثف للمياه، وتهميش الفلاح الصغير، وتوجيه الدعم نحو الزراعات التصديرية على حساب الأمن الغذائي.

اختلالات مالية وتقنية… وموارد مائية منهكة

بحسب التقرير، فإن الاستثمارات الضخمة التي رُصدت للسقي الموضعي شابتها اختلالات في التدبير والتنفيذ، ما جعل الدعم العمومي غير فعّال، رغم تكلفة مالية هائلة. وقد أدى ذلك إلى ضغط غير مسبوق على الفرشات المائية، خاصة في سوس–ماسة والحوز وزاكورة، حيث تواصلت عملية الضخ المفرط دون ضبط أو تخطيط.

المفارقة أن المخطط ركّز على زراعات شديدة الاستهلاك للماء، مثل الأفوكادو والبطيخ الأحمر، بينما تراجعت الحبوب والقطاني التي تشكل حجر الأساس في تحقيق السيادة الغذائية.

أمن غذائي هش رغم كثافة الدعم

ورغم المليارات التي ضُخت في القطاع، ظل المغرب يواجه تبعية خارجية كبيرة لتأمين حاجياته من الحبوب، إذ تجاوزت واردات بعض السنوات مجموع الإنتاج الوطني، ما رهن الأمن الغذائي بتقلبات الأسواق العالمية. وفي الوقت نفسه، تُصدر البلاد كميات ضخمة من “المياه الافتراضية” عبر منتجات موجهة للتصدير.

فلاح صغير خارج دائرة الدعم

يشير التقرير إلى خلل هيكلي في فلسفة المخطط، فبينما استفادت الفلاحة العصرية والكبيرة من مشاريع التشجير والسقي والدعم، تُركت الفلاحة التضامنية تواجه الجفاف وغياب البنية التحتية وضعف الاستثمار. النتيجة: اتساع الهوة بين كبار المستثمرين وآلاف الفلاحين الصغار الذين أصبحوا أمام خيار الهجرة أو السقوط في دائرة الفقر.

الجيل الأخضر… إعادة إنتاج الأخطاء

ويؤكد التقرير أن الاستراتيجية الجديدة “الجيل الأخضر 2020-2030”، التي تم تقديمها كامتداد للمخطط السابق، لا تختلف جذريًا عنه، إذ يستمر تركيز الدعم على الفلاحين الكبار، فيما تتفاقم أزمة الماء بفعل سنوات الجفاف وتزايد الطلب على الموارد المائية.

أزمة الماء… التهديد الأخطر

الأرقام المعروضة تكشف حجم النزيف:

  • الأفوكادو: نحو 8000 م³ للهكتار سنويًا

  • البطيخ الأحمر: بين 3800 و4300 م³ للهكتار

هذا الاستهلاك الضخم أدى إلى استنزاف حاد في مناطق كـسوس وزاكورة والحوز، حيث أصبحت ندرة مياه الشرب واقعًا يوميًا في العديد من القرى. ولذلك، يصف التقرير السياسة الفلاحية الحالية بأنها “تُصدّر الماء وتستورد الغذاء”، وهو تناقض خطير في بلد يعاني من شح مائي متزايد.

توصيات لإنقاذ ما تبقى

يدعو التقرير إلى إعادة بناء النموذج الفلاحي على أساس السيادة المائية، باعتبارها شرطًا لتحقيق السيادة الغذائية، وذلك من خلال:

  • توجيه الدعم نحو الحبوب والقطاني والزراعات المعيشية.

  • تحديد أو منع الزراعات المفرطة في استهلاك المياه.

  • تقليص دعم برامج السقي الموجهة للتصدير.

  • دعم التعاونيات المحلية والفلاحين الصغار.

  • ربط أي دعم فلاحي بخطط فعّالة لترشيد الماء.

حصيلة مريرة

بعد سنوات من التخطيط والوعود، يبدو أن السياسات الفلاحية المتبعة منذ “المخطط الأخضر” إلى “الجيل الأخضر” نجحت في خلق ثروة لدى القمة، لكنها خلّفت أزمات مائية وغذائية واجتماعية في القاعدة. وبين وفرة الأرباح وندرة الماء وتراجع المحاصيل الأساسية، يبرز السؤال الأكبر: هل حان وقت مراجعة جذرية تضع الماء والغذاء قبل التصدير والأرباح؟

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة