تواصل المحكمة الوطنية الإسبانية توسيع نطاق تحقيقاتها في ما بات يُعرف إعلامياً بـ“قضية نفق المخدرات السري”، بعدما اتضح أن الملف يتجاوز بكثير مجرد اكتشاف ممر أرضي لتهريب الحشيش يربط بين مدينة سبتة والمغرب. فقد أطلقت المحكمة مساراً تحقيقياً موازياً ومستقلاً عن البحث الأصلي، انتهى باعتقال عنصر سابق في الحرس المدني كان يزاول مهامه في سبتة، حيث تم إيداعه السجن الاحتياطي إلى حين استكمال الأبحاث.
ووفق ما أوردته تقارير إعلامية إسبانية، فإن هذا التحقيق الموازي يُدار بسرية تامة وبمعزل عن الملف الذي تشرف عليه الشؤون الداخلية للحرس المدني، بمشاركة وحدة الجرائم المنظمة (UCO) ومركز تحليل الاستخبارات ضد المخدرات (CRAIN). وتشير المعطيات إلى أن دائرة الاعتقالات مرشحة للاتساع خلال المرحلة المقبلة، بالنظر إلى حساسية المعلومات التي برزت منذ انطلاق العملية.
وكان التحقيق الأصلي، الذي تفجر مطلع سنة 2024، قد كشف وجود شبكتين لتهريب المخدرات تربط بينهما خيوط مشتركة، أهمها الاستفادة من حماية داخلية وفّرها عناصر من الحرس المدني، ما أتاح مرور شحنات ضخمة عبر موانئ سبتة والجزيرة الخضراء دون تفتيش دقيق.
وخلال محاكمة سابقة أمام المحكمة الوطنية بمدريد، ظهرت تفاصيل خطيرة حول شبكة دولية للتهريب بين المغرب وإسبانيا، بعد اكتشاف نفق سري محفور تحت الأرض يربط الفنيدق بسبتة، إلى جانب أساليب تمويه مبتكرة اعتمدتها العصابة، أبرزها استعمال نصف ورقة نقدية مغربية كرمز سري يسمح بمرور الشاحنات المحملة بالحشيش عبر الميناء بتنسيق مع عناصر أمنية إسبانية يُشتبه بتورطها في الشبكة.
صحيفة “لاراثون” الإسبانية كشفت أن القاضي المحقق استمع خلال جلسات المحاكمة لعدد من الموقوفين، فيما تواصل وحدة الحرس المدني البحث عن المشتبه فيه الرئيسي الملقب بـ“صاحب النفق”، وهو مواطن إسباني تمكن من الفرار رغم تحديد هويته خلال عمليات التفتيش.
أحد أبرز الموقوفين، وهو مُخبر تعتبره التحقيقات الحلقة الأكثر أهمية داخل التنظيم، سرد أمام القاضية تفاصيل دقيقة حول أساليب العمل داخل الشبكة، موجهاً اتهامات مباشرة لـ“عملاء سريين” وضباط أمن وحرس مدني، واصفاً إياهم بـ“العقول المدبرة” التي وفرت الغطاء والحماية للتهريب.
المخبر تحدث أيضاً عما سماه “اختبار الأمان”، وهو إجراء يعتمد على تبادل نصف ورقة نقدية مغربية بين السائقين والضباط السريين كوسيلة للتحقق وضمان المرور دون عرقلة، ما أثار دهشة القاضية وأحدث جدلاً داخل الجلسة، مؤكداً أن العملية كانت تجري بتنسيق دقيق يشبه “آلية عسكرية”.
ووفق المعطيات، تعود بداية قصة النفق إلى سنة 2024، حين عقد المخبر اجتماعاً مع عناصر من الحرس المدني تم خلاله الاتفاق على طريقة تمرير الشحنات وتحديد مسارها، بما يشمل استعمال الورقة النقدية المقسومة كإشارة سرية تسمح بمرور الشاحنات إذا تطابقت القطعتان.
وكان الحرس المدني الإسباني قد أعلن في فبراير الماضي عن اكتشاف النفق السري الذي يربط المغرب بسبتة، مؤكداً أنه يمتد لعشرات الأمتار وبعمق يصل إلى 12 متراً، وقد جرى العثور عليه داخل مستودع بالمنطقة الصناعية. ووُصف النفق بأنه ضيق ومدعّم بالأخشاب، ومهيأ بشكل يسمح بتنفيذ عمليات تهريب منتظمة واحترافية.
