ملفات معلقة على الحدود: الجزائر تُفْرِجْ عن 25 مهاجرًا مغربيًا.. لكن 550 آخرين يقبعون في سجونها وسط معاناة مستمرة

عاد معبر "زوج بغال" الحدودي، الذي يُفْصِلْ بين المغرب والجزائر منذ إغلاقه رسميًا في 1994، إلى الظهور في الأخبار مرة أخرى، ليس كبوابة تجارية أو سياحية، بل كجسر حياة لـ25 شابًا مغربيًا أُفْرِجْ عَنْهُمْ الخميس 4 ديسمبر 2025، بعد أشهر من الاعتقال في سجون الجارة الشرقية بتهم تتعلق بالهجرة غير النظامية. عادت حافلة صغيرة، كما في عمليات سابقة، لتقطع الطريق نفسها، حاملة هؤلاء الشباب الذين انتهوا فصولًا ثقيلة من المحاكمات السريعة والحبس الإداري، لكن الفرحة كانت قصيرة، إذ تُذَكِّرْ الجمعيات الحقوقية بأن هذا الإفراج "جزء صغير" من معاناة ممتدة تشمل أكثر من 550 مغربيًا آخرين ما زالوا خلف القضبان أو في مراكز الترحيل، في سياق حدود مغلقة سياسيًا وتوترات ثنائية تجعل مصيرهم ورقة معلقة بين الدبلوماسية والإنسانية.

على الورق، تبدو الخطوة إيجابية: دفعة جديدة من المفرج عنهم، بعد أشهر من النداءات والوساطات بين الجهات المعنية في البلدين. لكن في كواليس هذا الملف، تتكشف صورة أخرى أكثر قتامة، حيث تتابع الجمعية المغربية لمساعدة المهاجرين في وضعية صعبة (AMSV)، المتمركزة في وجدة، حاليًا 158 شخصًا في طور الترحيل، بينما لا يزال أكثر من 550 ملفًا قيد المعالجة في الضفة الأخرى. وفقًا لمعطيات الجمعية، يُقَدَّرْ عدد السجناء المغاربة في الجزائر بحوالي 700، بين محكومين بالمؤبد (5 حالات) وعقوبات طويلة (13 بعشرين إلى خمس وعشرين سنة، 14 بعشر سنوات)، و173 في لائحة الترحيل بعد قضاء العقوبة أو انتهاء الحبس الإداري.

خلف هذه الأرقام الباردة، يختبئ ملف إنساني وسياسي معقد. هؤلاء الشباب، معظمهم من جهة بني ملال-خنيفرة (أغلبية)، تليها جهة الشرق، دخلوا التراب الجزائري كعمال يدويين في ورش البناء أو صناعة الجبس والزليج، أو كـ"حراكة" في طريقهم إلى أوروبا، فوجدوا أنفسهم متابعين بموجب قانون الهجرة الجزائري 08-11، أو في قفص الاتهام في قضايا "الاتجار بالبشر"، "تبييض الأموال"، أو "الهجرة السرية". في كثير من الحالات، لا تميز السلطات الجزائرية بين ضحايا شبكات الاتجار والمنتمين إليها، إذ قد يجد شاب من بني ملال أو وجدة نفسه متابعًا في ملفات تتعلق بالمخدرات أو الحبوب المهلوسة، لمجرد أنه كان في "القارب الخطأ" أو "الشاحنة الخطأ"، بينما تبقى الشبكات الحقيقية بعيدة عن المتابعة.

شهادات المفرج عنهم، التي توالت في الأيام الأخيرة، تروي قصصًا قاسية: اعتقالات سريعة دون إجراءات قانونية كاملة، محاكمات في ظروف صعبة دون تمكين الدفاع أو مؤازرة محامٍ، وحرمان من التواصل مع العائلات لسنوات، مما يُذَكِّرْ بتقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي زارت مراكز الاحتجاز الجزائرية في 2024، ووصفت ظروف الاعتقال بـ"غير الملائمة"، مع إهانات نفسية وجسدية، وإحالة على محاكم دون احترام الحقوق الأساسية. في قاعات صغيرة ببني ملال ووجدة، بدأت تتكشف هذه القصص أكثر خلال 2025، خاصة في لقاء أكتوبر ببني ملال نظمته "شبكة الصحافيين المغاربة للهجرة"، حيث عرض رئيس الجمعية حسن عماري لوحة صادمة: 682 مغربيًا معتقلين، أغلبهم من بني ملال-خنيفرة، تليها الشرق، مع 5 محكومين بالمؤبد، و13 بعشرين إلى خمس وعشرين سنة، و173 في لائحة الترحيل.

في ذلك اللقاء، امتزجت الأرقام بحكايات الأمهات والآباء، كثيرون منهم لم يكونوا يعرفون حتى تلك اللحظة إن كان أبناؤهم أحياء أم لا؛ بعضهم اكتشف عبر الجمعية أن الابن "الذي اختفى" في 2021 أو 2022 موجود في سجن جزائري على الحدود أو في الداخل، جُرِّدْ لسنوات من حقه في الاتصال أو الدفاع. منذ ديسمبر 2023، وثقت تقارير حقوقية وقفات "أمهات المهاجرين" أمام بلدية وجدة، حيث حملن صور أبنائهن المفقودين على "الطريق الجزائرية"، مُطَالِبَاتْ بإطلاق سراحهم أو كشف مصيرهم.

هذه المعاناة ليست وليدة اليوم؛ فمنذ 30 ديسمبر 2024، فتحت الجزائر المعابر استثنائيًا لترحيل 60 مغربيًا بعد ثلاث سنوات سجن وسنة إدارية، مع تذكير الجمعية بـ480 آخرين، و6 جثامين في مستودعات الأموات. في يناير 2025، أُعِيدْ 36 آخرين عبر "زوج بغال"، كثيرون من فاس ووجدة وتازة، بعد أشهر في الحبس الإداري. في فبراير، 31 آخرين، بينهم شابة، بعد إنهاء عقوباتهم. في أبريل، 23 آخرين بعد جمود شهر ونصف. في مايو، 15 بعد مناشدات لتبون ووزارتي الخارجية.

هذه الجسور الاستثنائية، التي تُفتَحْ ليوم أو يومين ثم تُغْلَقْ، تجعل الملفات رهينة ترتيبات تقنية معقدة تتداخل فيها الأجهزة الأمنية والقضائية، والصليب الأحمر الذي زار مراكز الاحتجاز في 2024، وثَّقَ حرمانًا من التواصل وإهانات. في مارس 2024، غيّرت الجمعية اسمها إلى "الجمعية المغربية لمساعدة المهاجرين في وضعية صعبة – المغرب"، وانتخبت مكتبًا جديدًا للتركيز على الملف كأولوية، مع مراسلات إلى الصليب الأحمر ومسؤولين جزائريين للعفو العام، وحضور في جنيف لمؤتمرات الاختفاء القسري، ووقفات في وجدة لـ"أمهات الطريق الجزائرية".

على المستوى البنيوي، يجد الملف نفسه عالقًا في قلب التوتر السياسي المزمن. منذ أزمة 1994، تحول أي عبور – للأحياء أو الأموات – إلى استثناء يحتاج إذنًا خاصًا، وتعقَّدْ بعد قطع الجزائر العلاقات الدبلوماسية في 2021 وإغلاق أجوائها أمام الطيران المغربي، مما جعل حركة المسافرين تمر عبر تونس. هذا الوضع يجعل عملية ترحيل 25 شابًا تمرينًا دبلوماسيًا وأمنيًا، حيث تُرْتَفِقْ الفتحات المؤقتة لـ"زوج بغال" برسائل سياسية متبادلة، ثم عودة الصمت، بينما يبقى مئات السجناء وعائلاتهم خارج الكاميرا.

في الختام، بينما تُبَشِّرْ عمليات الترحيل المتقطعة بجرعات أمل، لا تمحو صورة أوسع عن شروط الاعتقال والمتابعة، ولا عن الحاجة إلى حلول جذرية تتجاوز الإجراءات التقنية لتصل إلى الجذور الإنسانية والسياسية لملف الهجرة بين جيران يُفْصِلْهُمْ جدار من التوترات. الجمعية، التي راكمت سجلات دقيقة وساهمت في ترحيل أكثر من 1,190 مغربيًا من الجزائر وليبيا وتونس، واستعادة 41 جثمانًا، تُعِيدْ التأكيد في مراسلتها المرتقبة بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان أن "المهاجرين ليسوا أرقامًا، بل وجوه وعائلات وذكريات"، مُطَالِبَةْ بتوضيحات حول المفقودين وتسريع استرجاع الجثث، في خطوة قد تُعِيدْ فتح باب حوار مغلق منذ عقود.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة