بوعلام صنصال يفجّرها: النظام السياسي الجزائري لا يستطيع العيش دون فرنسا والسلطة تعتقل المئات يوميًا

في اليوم التالي لصدور الحكم الاستئنافي القاضي بسجن الصحافي الفرنسي كريستوف غليز سبع سنوات في الجزائر، خرج الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال بتصريحات صادمة حملت قراءة شاملة وقاسية لطبيعة النظام السياسي الجزائري ولعلاقته المعقدة مع فرنسا. صنصال، الذي استفاد من عفو رئاسي الشهر الماضي بعد قضائه عامًا في السجن، اختار إذاعة RTL ليعبّر عن موقفه بلا مواربة، واصفًا النظام الجزائري بـ"ديكتاتورية وحشية وقاسية".

وقد أدين صنصال سابقًا بخمس سنوات سجناً بسبب نقاشه العلني لملف الحدود الموروثة عن الاستعمار، وهو أحد أكبر المحظورات السياسية في الجزائر. لكن خروجه من السجن لم يمنعه من شنّ هجوم جديد على البنية السياسية التي يدير بها النظام شؤون البلاد، مستغلًا الجدل الدبلوماسي الراهن بين الجزائر وباريس عقب الحكم على غليز.

وخلال المقابلة، وصف صنصال الحكم بأنه "مهزلة قضائية"، معتبراً أن القضية تعكس مرضًا سياسيًا متجذرًا. وأشار إلى وجود سلط متعددة داخل الدولة تتحرك في مسارات متعارضة، وهو ما يعمّق الفوضى ويجعل القرارات غير قابلة للتوقع. وأضاف بحدة: "لا أحد يعرف من يحكم الجزائر… بالنسبة لكثير من الجزائريين الرئيس ليس سوى دمية".

وتكتسب تصريحات صنصال أهمية خاصة في ظل تصاعد الانتقادات الفرنسية لظروف عمل الصحافيين بالجزائر. كما قدّم الكاتب تحليلًا أعمق للعلاقة المتشابكة بين البلدين، معتبرًا أن الجزائر "لا يمكنها العيش دون فرنسا"، بالنظر إلى الروابط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تجمعهما، لاسيما مع وجود ستة ملايين جزائري مقيم بفرنسا. ويرى صنصال أن قطع العلاقات سيكون بمثابة "تمزيق فوق جرح تاريخي"، داعيًا إلى ترميم العلاقة عبر حوار واقعي بعيد عن "العقد النفسية" التي تكبّل الطرفين.

ويرتبط هذا النقاش بالجدل الدائر في باريس حول إعادة النظر في اتفاق 1968 الخاص بحرية التنقل، وهو اتفاق يرى صنصال أن الجزائر مستعدة لإعادة التفاوض بشأنه، شرط توفر "شرارة" سياسية لإطلاق الحوار.

وبموازاة تحليله السياسي، قدّم صنصال شهادة مؤلمة عن ظروف السجون الجزائرية، واصفًا إياها بكونها مرآة لطبيعة النظام. وأشار إلى أن السلطات تقوم يوميًا بـ"مئات وربما آلاف الاعتقالات"، وأن السجن الذي قضى فيه عامًا يستقبل ما يقارب 400 معتقل يوميًا، بعضهم بسبب “إعجاب” منشور على الإنترنت. هذه الصورة، بحسبه، تعكس اتساع دائرة القمع منذ نهاية حراك 2019، في ظل توظيف قوانين مكافحة الإرهاب لتجريم التعبير الرقمي والنشاط السلمي.

ومع كل ذلك، يعلن صنصال رفضه للصمت، قائلاً: "قيل لي إن مصلحتي أن أصمت… لكن يجب أن نتوقف عن إهانة أنفسنا". ويؤكد أنه يقاوم منذ 25 سنة، وأن معركته ليست شخصية، بل تتعلق بمواجهة الأنظمة التي أحدثت “أذى هائلًا” خلال عقود.

وعلى الرغم من أنه يعتبر الجزائر “بلده القلبي”، يكشف أن جواز سفره جرى تعطيله بعد حصوله على العفو، لكنه يصر على العودة يومًا ما دون تأشيرة، معلنًا: "سأدخل بصفتي جزائريًا… وليفعلوا ما يشاؤون عند وصولي". غير أنّه يختار تأجيل العودة حاليًا لتجنّب "استفزاز غير ضروري"، منتظرًا تحسن المناخ السياسي والإفراج عن كريستوف غليز، ومقتنعًا بأن "النظام يجب أن يتوقف عن سجن الناس".

تصريحات صنصال تكثّف التوتر بين القانون والسياسة، بين السلطة والمجتمع، وبين إرث الاستعمار وتحديات الحاضر، وتكشف عمق الأزمة التي يعيشها المشهد الجزائري في لحظة دولية حساسة.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة