شعبوية الكاميرات: حين يتحول مرفق عمومي إلى منصة انتخابية مبكرة

في مشهد أثار موجة واسعة من الجدل، اختارت نائبتان برلمانيتان تحويل محطة القطار “الرباط المدينة”، التي تخضع منذ مدة لأشغال توسعة وإعادة تهيئة، إلى فضاء لاستعراض احتجاجي مفتعل، لا يخلو من نزعة شعبوية مكشوفة، سعت من خلاله إلى تسويق صورة سلبية عن مرفق عمومي في لحظة دقيقة تستعد فيها البلاد لاحتضان تظاهرات قارية وعالمية كبرى.

النائبتان، إحداهما تنتمي إلى حزب مشارك في الحكومة، والذي يقبع عدد من برلمانييه اليوم خلف القضبان في قضايا ثقيلة مرتبطة بالفساد والاتجار في المخدرات، اختارتا الجلوس على أرضية المحطة بدعوى غياب الكراسي، في لقطة بدا أنها موجهة للكاميرات أكثر مما هي تعبير صادق عن انشغال حقيقي براحة المواطنين.

والمفارقة الصارخة أن هذا “الحرص المفاجئ” على ظروف تنقل المسافرين لم يظهر داخل قبة البرلمان، حيث تحظى النائبتان منذ سنوات بكل شروط الراحة، من مقاعد مريحة، وقاعات مكيفة، وخدمات إدارية ومطاعم مدعمة، وتعويضات سخية. هناك، لم تُطرح أسئلة، ولم تُسجل ملاحظات، ولم يُبد أي انزعاج من وضع محطة لا تبعد سوى أمتار عن المؤسسة التشريعية.

بعيدًا عن الصورة الدعائية، فإن الواقع يكشف أن محطة الرباط المدينة، شأنها شأن كبريات المحطات العالمية، تتوفر على عدد معقول من المقاعد، لا يمكن بطبيعة الحال أن يغطي جميع المسافرين خلال فترات الذروة. كما أن الأشغال الجارية تفسر أي خصاص مؤقت، في انتظار استكمال مشروع التوسعة الذي سيمنح المحطة طابعًا أكثر حداثة واتساعًا. إضافة إلى ذلك، تظل محطة الرباط أكدال القريبة بديلًا عمليًا ومجهزًا بكامل شروط الاستقبال.

وعليه، فإن السؤال الحقيقي لا يتعلق بعدد الكراسي، بل بتوقيت هذا “الاحتجاج”. لماذا لم تتحول معاناة المسافرين إلى أولوية طيلة خمس سنوات من الولاية البرلمانية؟ ولماذا لم تُطرح داخل اللجان المختصة أو عبر أسئلة كتابية وشفوية موجهة للحكومة، خاصة وأن إحدى النائبتين تنتمي للأغلبية؟ الجواب يبدو واضحًا: الحاجة إلى الصورة لم تكن قائمة، والانتخابات لم تكن قد اقتربت بعد.

الأخطر في هذا السلوك أنه لا يسيء فقط إلى صورة مرفق عمومي، بل يضرب في عمق صورة الفعل السياسي نفسه، ويقدم للمحيط الإقليمي والدولي مشاهد عبثية في وقت يعمل فيه المغرب على ترسيخ صورته كبلد منظم، مستقر، وقادر على إنجاح أكبر التظاهرات الدولية.

وتزداد عبثية المشهد حين يُستحضر أن النائبتين لم تحصلا على مقعديهما عبر صناديق الاقتراع المباشر، بل دخلتا البرلمان عبر لوائح جهوية ونسوية، بفضل الكوطا ورضى الأحزاب والقرابة السياسية، لا عبر برنامج انتخابي أو اختيار شعبي واضح. وهو ما يطرح علامات استفهام عميقة حول منطق “تمثيل المواطن” الذي تم استدعاؤه فجأة من أرضية محطة قطار.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة