لم تكن التساقطات المطرية الغزيرة التي رافقت انطلاق منافسات كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025" مجرد زخات شتوية عابرة، بل تحولت إلى "مباراة موازية" وضعت البنية التحتية الرياضية للمملكة تحت مجهر الاختبار الحقيقي. وبينما كان البعض يتخوف من تأثير الأجواء المناخية الصعبة على سير البطولة، قدمت الملاعب المغربية إجابة ميدانية حاسمة، مكرسةً صورة المغرب كقوة تنظيمية رائدة في القارة السمراء.
اختبار البداية: الرباط صامدة في "ليلة الافتتاح"
انطلقت الشرارة الأولى لهذا النقاش من ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط. ففي يوم الأحد 21 دجنبر، تزامنت المباراة الافتتاحية بين المغرب وجزر القمر مع "طوفان" من الأمطار المتواصلة التي لم تتوقف طيلة الـ 90 دقيقة. ورغم غزارة التساقطات، بدت أرضية الملعب وكأنها تتحدى قوانين الطبيعة؛ فلم تظهر أي برك مائية، وظلت الكرة تتدحرج بسلاسة فائقة، مما سمح للاعبين بتقديم مهاراتهم دون عوائق تقنية، وهو ما أثار دهشة المتابعين منذ الدقائق الأولى.
المقارنة مع "ملاعب المونديال": تفوق تقني مغربي
ما زاد من وهج هذا النجاح التقني هو المقارنة التي عقدها نشطاء على منصة "إكس" ومحللون رياضيون بين "الكان" وبطولة "كأس العرب" التي انتهت مؤخراً في قطر. فرغم أن الملاعب القطرية هي ملاعب مونديالية استضافت كأس العالم 2022، إلا أن إحدى مبارياتها (لقاء الترتيب بين السعودية والإمارات) أُلغيت بسبب تحول الأرضية إلى برك مائية. في المقابل، ينجح المغرب حالياً في تدبير مبارياته تحت أمطار أكثر غزارة وفي مدن مختلفة (الرباط، طنجة، فاس)، دون تسجيل تأخير لدقيقة واحدة، مما يعكس جودة الهندسة المعتمدة في تصريف المياه.
طنجة وفاس.. استمرارية النجاح في قلب العاصفة
ولم تكن الرباط استثناءً، ففي يومي الاثنين والثلاثاء، واصلت السماء جودها بأمطار غزيرة جداً، خاصة في مدينة طنجة التي احتضنت قمة السنغال وبوتسوانا. ورغم أن الأمطار بلغت ذروتها أثناء اللقاء، إلا أن "عروس الشمال" قدمت ملعباً عالمياً لم يتأثر بالعوامل الجوية. المشهد ذاته تكرر في ملعب فاس الكبير خلال مواجهة نيجيريا وتنزانيا، حيث جرت المباراة تحت زخات قوية، ومع ذلك ظل العشب في أبهى حلة، مما يثبت أن الجودة ليست "صدفة" بل هي معيار موحد في جميع الملاعب المستضيفة.
ما هو السر وراء هذا الصمود؟
يرجع خبراء الملاعب هذا النجاح إلى استثمارات ضخمة وتقنيات حديثة اعتمدها المغرب في السنوات الأخيرة، وتتضمن:
أنظمة تصريف المياه (Sub-air systems): وهي تقنيات متطورة تعمل تحت طبقات العشب لامتصاص المياه وضخ الأكسجين، مما يمنع تشكل البرك.
جودة العشب الهجين: الذي يجمع بين العشب الطبيعي والألياف الاصطناعية، مما يمنحه تماسكاً أكبر وقدرة عالية على تحمل الرطوبة العالية.
الصيانة الاحترافية: اعتماد فرق عمل متخصصة تعمل على مدار الساعة لضمان جاهزية الأرضية بين المباريات.
الخلاصة: المغرب "استثناء قاري"
إن صمود الملاعب المغربية في الأسبوع الأول من "الكان" هو أكثر من مجرد نجاح تقني؛ إنه رسالة ثقة للمنظمات الرياضية الدولية (كاف وفيفا) بأن المغرب وجهة "موثوقة" لا تهزها التقلبات المناخية. هذا النجاح التنظيمي يعزز طموحات المملكة في تنظيم تظاهرات أكبر مستقبلاً، ويجعل من "كان المغرب 2025" مرجعاً يُحتذى به في كيفية مواجهة التحديات اللوجستية والجوية بكفاءة واقتدار.
