كشف تقرير بريطاني حديث عن تحول جذري في الاستراتيجية الاقتصادية للولايات المتحدة تجاه المملكة المغربية، حيث باتت واشنطن تنظر إلى المغرب ليس فقط كحليف سياسي تقليدي، بل كمنصة اقتصادية متقدمة ومركز لوجستي عالمي يتيح ولوجاً مباشراً لأسواق ضخمة تضم أكثر من مليار مستهلك في إفريقيا وأوروبا وحوض المتوسط. هذا التحول التكتيكي يفسر، وفقاً لما نشرته صحيفة "روتلاند هيرالد"، التوجه الأمريكي المتسارع نحو تشجيع وتوسيع دائرة الاستثمارات لتشمل كافة تراب المملكة، مع تركيز خاص على الأقاليم الجنوبية التي باتت تمثل فضاءً استثمارياً واعداً يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة إلى آفاق التنمية المستدامة.
ويستمد هذا التوجه زخمه من التصريحات الرسمية الصادرة عن الإدارة الأمريكية، وتحديداً ما أعلنه نائب وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر لانداو، الذي أكد بوضوح دعم واشنطن الكامل للشركات الأمريكية الراغبة في ممارسة أعمالها في الصحراء المغربية. ويأتي هذا الدعم ثمرة مشاورات مكثفة مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، حيث تندرج هذه الخطوات ضمن "الدبلوماسية الاقتصادية" التي تنتهجها الولايات المتحدة لتعزيز الرخاء المشترك وتقوية الشراكة الثنائية، مرتكزة على إطار قانوني وسياسي تعتبره واشنطن واضحاً ومستقراً منذ الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في عام 2020، مما وفر أرضية صلبة وجاذبة للاستثمارات الدولية.
وتلعب الجغرافيا دور الحسم في هذه المعادلة، إذ إن موقع المغرب الاستراتيجي وشبكة اتفاقيات التبادل الحر التي تربطه بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والقارة الإفريقية، تمنح المستثمرين الأمريكيين ميزة تنافسية كبرى للتوسع خارج حدود السوق المحلية. وفي هذا السياق، حدد التقرير أربعة قطاعات حيوية تتصدر أولويات الاستثمار الأمريكي؛ تأتي في مقدمتها "الطاقات المتجددة"، حيث تمتلك الأقاليم الجنوبية إمكانيات هائلة في الطاقة الشمسية والريحية تتقاطع مع طموحات واشنطن في قيادة الانتقال الطاقي العالمي. كما يبرز قطاع "البنيات التحتية واللوجستيك" كركيزة ثانية، خاصة مع مشاريع ضخمة مثل ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيحول المنطقة إلى شريان حيوي لربط سلاسل الإمداد الدولية.
علاوة على ذلك، يبرز قطاع "الفلاحة والصناعات الغذائية" كمنطقة نمو واعدة، بالنظر إلى الإمكانيات المتاحة في مجالات التحويل الزراعي والصيد البحري والتكنولوجيا الفلاحية المتطورة. وأخيراً، يتوقف التقرير عند قطاع "المعادن والمواد الاستراتيجية"، مشيراً إلى مكانة المغرب كفاعل عالمي في صناعة الفوسفاط وتطوير استكشاف المعادن النادرة المرتبطة بالصناعات التكنولوجية الحديثة. إن هذه الرؤية الأمريكية المتكاملة لا تهدف فقط إلى تحقيق مكاسب اقتصادية، بل تسعى إلى تكريس الاستقرار الإقليمي من خلال خلق قطب تنموي في جنوب المغرب يربط القارات ويوفر فرصاً اقتصادية غير مسبوقة في منطقة حوض الأطلسي.
