لأسباب تتداخل فيها الحسابات السياسية مع السعي إلى صناعة الجدل وحصد التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، رافقت بطولة كأس أمم إفريقيا 2025، التي يحتضنها المغرب، موجة من الأخبار الزائفة والمحتويات المفبركة. غير أن ما صدر مساء الثلاثاء عن قناتين تونسيتين شكّل منعطفًا لافتًا، وأثار تساؤلات جدية حول وجود تضليل إعلامي ممنهج صادر عن وسائل إعلام من بلد مغاربي تشهد علاقته بالرباط توترًا متواصلاً منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وبالتزامن مع المباراة الأولى للمنتخب التونسي في دور المجموعات، والتي احتضنها الملعب الأولمبي بالرباط وانتهت بفوز “نسور قرطاج” بثلاثة أهداف مقابل هدف، قدّم مراسلا قناتي “الحوار التونسي” و“الوطنية الأولى” معطيات مغلوطة خلال بث مباشر، أثارت استغراب المتابعين والمهنيين على حد سواء.
مراسل قناة “الحوار التونسي”، حمزة الطياشي، ادّعى على الهواء انقطاع التيار الكهربائي عن الملعب، وتحدث عن “سلسلة من المشاكل” سبقت انطلاق المباراة، كما وصف الملعب، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية نحو 21 ألف متفرج، بـ“الصغير” وغير الملائم، زاعمًا أن الصحافيين يشتغلون في ظروف غير مهنية وبـ“وسائلهم الخاصة”.
وذهب المراسل أبعد من ذلك، حين تحدث باسم صحافيين آخرين، مدعيًا أنهم “غير مرتاحين” ويعانون من اختلالات لوجستية منذ انطلاق البطولة، سواء على مستوى التنقل أو ظروف العمل، وهي تصريحات تم الترويج لها عبر منصات القناة تحت عنوان يتحدث عن “ظروف صادمة” لاشتغال الإعلاميين.
غير أن هذه الرواية سرعان ما انهارت، بعد تداول فيديوهات موثقة من القاعة نفسها التي ظهر فيها المراسل، تُظهر أن التيار الكهربائي كان يعمل بشكل عادي، وأن الشاشات، الحواسيب، ومصابيح الإضاءة كانت مشغلة دون أي انقطاع. كما كشفت المقاطع أن المراسل اختار زاوية مظلمة عمدًا، مع توجيه كشاف الإضاءة نحو وجهه فقط، في محاولة لإيهام المشاهدين بوجود عطب تقني، وهو ما نفاه عدد من الصحافيين الحاضرين في المكان ذاته.
ووفق تدوينات لصحافيين مهنيين، فإن سبب التوتر يعود إلى تأخر المراسل في الوصول إلى المنطقة المختلطة، وعدم تمكنه من إيجاد مقعد، ما دفعه إلى الرد بطريقة غير مهنية. هذا السلوك وضع القناة في موقف حرج، ودفعها لاحقًا إلى حذف فيديو المداخلة من صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، دون إصدار أي توضيح أو اعتذار، خلافًا لما تفرضه أخلاقيات المهنة الصحافية.
وفي السياق ذاته، قدّم مراسل القناة الوطنية التونسية الأولى، وهي قناة عمومية، معطى غير دقيق حين صرّح بأن الملعب الأولمبي يبعد عن وسط الرباط بـ25 كيلومترًا، في حين تُظهر تطبيقات الخرائط أن المسافة لا تتجاوز 9 كيلومترات. كما انتقد ما وصفه بـ“النقطة السوداء” في التنظيم، متذرعًا بعدم تغطية الملعب بالكامل، متجاهلًا أن عدداً كبيراً من ملاعب كأس إفريقيا، بل وحتى كأس العالم 2026، غير مغطاة، وأن المغرب يُعد استثناءً بتوفيره خمسة ملاعب مغطاة كليًا من أصل تسعة.
هذا التعاطي الإعلامي يطرح علامات استفهام جدية حول دوافع بث معطيات كاذبة عبر قنوات تحظى بمتابعة واسعة، وفي توقيت حساس يتزامن مع مباريات المنتخبات. وبينما قد تكون لبعض الصحافيين دوافع شخصية، فإن العامل السياسي يظل حاضرًا بقوة، في ظل حالة التباعد الدبلوماسي بين الرباط وتونس خلال عهد الرئيس قيس سعيد، المعروف بقربه من الجزائر، ما يعيد إلى الواجهة إشكالية توظيف الإعلام في صراعات إقليمية على حساب المهنية والحقيقة.
