بين تضارب المصالح وتكميم الأفواه: لماذا تخشى الحكومة المحكومة من الصحافة المستقلة؟

يبدو أن المشهد السياسي في المغرب بات مرتهنًا لاختيارات حكومية تثير الكثير من الجدل، منذ وصول حكومة عزيز أخنوش إلى السلطة عقب انتخابات 8 شتنبر. حكومة وُصفت، منذ أيامها الأولى، بأنها حكومة رجال الأعمال وتضارب المصالح، حيث تلاحقت حولها الانتقادات بسبب تمرير الصفقات، وترك الأسعار ترتفع دون ضوابط فعالة، في مقابل تراجع واضح لحماية القدرة الشرائية للمواطن.

هذه الحكومة، التي رفعت شعار “تستاهلوا أحسن”، جعلت المواطن في آخر سلم الأولويات، وفتحت المجال أمام فئات مستفيدة للاستحواذ على الدعم العمومي الموجه أساسًا للفئات الهشة، في مشهد يعكس اختلالًا عميقًا في العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

ضمن هذا السياق، يبرز اسم وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، كشخصية مثيرة للجدل داخل الفريق الحكومي. الوزير، الذي لم يُسجل له مسار سياسي أو مهني بارز قبل توليه المنصب، وجد نفسه في واجهة صراع مباشر مع الجسم الصحافي والنقابي، من خلال دفاعه عن مشروع قانون يُجمع مهنيون وفاعلون على أنه يهدد ما تبقى من استقلالية الصحافة الوطنية وحرية التعبير.

وقد ارتبط اسم بنسعيد، في الذاكرة العامة، بمحيطه السياسي أكثر من ارتباطه بتجربة ذاتية واضحة، قبل أن يتحول لاحقًا إلى رجل أعمال مستفيد من دعم عمومي وقروض بنكية ضخمة لمشاريع وُصفت بأنها “استراتيجية”، لكنها انتهت، حسب منتقديه، إلى نماذج محدودة القيمة المضافة، كتركيب سيارات أجنبية بدل تطوير صناعة وطنية حقيقية.

اليوم، يُنظر إلى الدور الذي يلعبه الوزير في تمرير مشروع القانون المنظم لقطاع الصحافة باعتباره جزءًا من توجه أوسع يسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الإعلامي، عبر تقليص هامش النقد وتطويع المؤسسات الصحافية، بدل إصلاحها ودعم استقلاليتها.

اللافت في هذا المسار ليس فقط مضمون القانون، بل أيضًا توقيت مناقشته. فبعد أن تقرر عرض المشروع يوم 25 دجنبر، تم تقديم الموعد بشكل مفاجئ إلى 22 دجنبر، تزامنًا مع انطلاق كأس إفريقيا للأمم بالمغرب، وفي خضم انشغال الرأي العام بالمباريات، وحفل الافتتاح، والاحتفالات الجماهيرية.

هذا التزامن يطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت الحكومة تراهن على تشتيت انتباه المواطنين، لتمرير قانون مثير للجدل بعيدًا عن النقاش العمومي الواسع، في أسلوب يعكس ضعف الثقة في إقناع المجتمع بمضمون اختياراتها.

إن ما يحدث اليوم يختزل استراتيجية واضحة: تهميش الصحافة، تقليص فضاءات النقد، وفرض نصوص قانونية في لحظات انشغال جماعي. وهي مقاربة تثير القلق في بلد يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى صحافة مستقلة وقوية، قادرة على المراقبة والمساءلة، لا إلى قوانين تُقيدها وتُفرغها من دورها الدستوري.

ويبقى السؤال معلقًا: إلى متى ستظل الصحافة الوطنية تدفع ثمن اختيارات سياسية لا ترى فيها شريكًا ديمقراطيًا، بل عائقًا يجب تحييده؟

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة