من الشعارات إلى البراغماتية: الجزائر توشك على إنهاء ولايتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن

تقترب الجزائر من إنهاء ولايتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي، بعد عامين من الحضور في واحد من أكثر الفضاءات الدبلوماسية حساسية وتأثيرًا. غير أن هذه التجربة كشفت عن مفارقة واضحة بين الخطاب السياسي المرتفع الذي تبنته الجزائر في عدد من القضايا، وبين المواقف العملية التي اتسمت بالحذر والبراغماتية داخل أروقة المجلس.

وخلال مناقشات مجلس الأمن، برز هذا التناقض بشكل خاص في التعاطي مع ملف الصحراء، الذي لطالما قدّمته الجزائر بوصفه قضية مبدئية مرتبطة بـ«الشرعية الدولية». فعلى الرغم من ذلك، امتنعت الجزائر عن التصويت على مشروعَي قرار ذي خلفية أمريكية، مفضلة تجنب الاصطفاف الصريح أو الدخول في مواجهة مباشرة، خلافًا لما يوحي به سقف خطابها السياسي.

وتشير تحليلات دبلوماسية إلى أن هذا السلوك لم يكن عابرًا، بل يعكس توجهاً محسوبًا يسعى إلى الموازنة بين المواقف المعلنة والمصالح الاستراتيجية، خصوصًا في ظل حرص الجزائر على الحفاظ على علاقات مستقرة مع الولايات المتحدة، وتفادي أي توترات قد تترتب عنها كلفة سياسية أو اقتصادية مرتفعة في محيط إقليمي معقد.

النهج البراغماتي نفسه انسحب على القضية الفلسطينية، التي تشكل تاريخيًا أحد ثوابت السياسة الخارجية الجزائرية. إذ صوتت الجزائر لصالح تصور أمريكي لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة، رغم ما أثاره ذلك من استغراب، خاصة أن الخطة استبعدت فصائل فلسطينية فاعلة، كانت قد دعت الجزائر علنًا إلى عدم دعم هذا التوجه.

ويرى مراقبون أن هذا التحول يعكس تراجعًا نسبيًا في هامش التأثير الإقليمي للجزائر، في ظل توتر علاقاتها مع عدد من دول الساحل، وعلى رأسها مالي، ما أفقدها جزءًا من نفوذها التقليدي في محيطها الاستراتيجي المباشر.

وعلى المستوى العربي، سُجل تقلص ملحوظ في الحضور الجزائري داخل محطات سياسية مفصلية، مع غيابها عن اجتماعات إقليمية مهمة، الأمر الذي يعكس تراجعًا في وزنها داخل منظومة العمل العربي المشترك.

أما على الصعيد الأوروبي، فقد بدت أوراق الضغط الجزائرية محدودة التأثير. فالإجراءات التي اتخذتها تجاه إسبانيا وفرنسا على خلفية مواقفهما من قضية الصحراء واجهت رفضًا أوروبيًا واسعًا، وانتهت دون تحقيق مكاسب سياسية ملموسة.

ويتعقد المشهد أكثر مع التحولات المتسارعة في سوق الطاقة الأوروبية، حيث تتجه دول جنوب أوروبا إلى تنويع مصادر الغاز وتقليص الاعتماد على الجزائر، مقابل توسيع الشراكات مع الولايات المتحدة، ما يقلل من أهمية إحدى أبرز أدوات النفوذ الجزائري.

وهكذا، تطوي الجزائر صفحة عضويتها في مجلس الأمن باختيارها مقاربة هادئة تفضل التكيف والمرونة على المواجهة المباشرة، في مؤشر على إعادة ترتيب أولويات سياستها الخارجية، والانخراط في توازنات دولية وإقليمية جديدة تفرضها التحولات الجيوسياسية الراهنة.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة