بينما ترفع وزيرة الاقتصاد والمالية شعار التقشف وتشدّد على ضرورة ترشيد الإنفاق العمومي، يبدو أن هذا الشعار لا يتجاوز حدود الخطابات الرسمية والمذكرات الوزارية. فالواقع اليومي داخل الوزارة يكشف صورة مغايرة تمامًا، حيث يسود الترف في التفاصيل الصغيرة، وتُصرف الملايين على أمور لا تمتّ إلى التقشف بصلة.
تحدثنا الوزيرة في كل مناسبة عن ضرورة فرض الصرامة المالية وتقليص نفقات الوزارات والمؤسسات العمومية، لكنها تغضّ الطرف عن الإنفاق المبالغ فيه داخل وزارتها. فالإفطار الرسمي للوزيرة، على سبيل المثال، تصل كلفته اليومية إلى نحو 2500 درهم، ناهيك عن الصفقات المتكررة التي تبرم بانتظام لتغطية تكاليف المؤتمرات، وتنظيم التظاهرات، واستئجار السيارات الفاخرة. وفي الوقت نفسه، تُمنع باقي القطاعات من صرف أي درهم إضافي إلا في حالات “الضرورة القصوى”.
هذه المفارقة الصارخة تطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن لوزارة يُفترض أن تكون القدوة في ترشيد المال العام أن تتحول إلى عنوان للهدر المالي والازدواجية؟
الجواب يكمن في الثقافة السياسية والإدارية التي ترسخت في المغرب منذ عقود، حيث يتحول خطاب التقشف إلى أداة ضغط على الفئات الضعيفة والإدارات الصغيرة، بينما يظل كبار المسؤولين في مأمن من أي محاسبة أو مراقبة حقيقية.
الأخطر من ذلك هو استمرار الصفقات المشبوهة مع شركات محددة تُمنح لها العقود بشكل منتظم، في تجاهل صارخ لمبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص. هذه الممارسات تكرّس الانطباع بأن “التقشف” ليس سوى شعار إعلامي لتجميل صورة الحكومة أمام الرأي العام، في حين تُستعمل الميزانيات العمومية لتغذية دوائر النفوذ والمصالح الخاصة.
في ظل هذه الصورة، يصبح المواطن المغربي محاصرًا بين خطاب رسمي يدعوه إلى التضحية والصبر باسم المصلحة الوطنية، وواقع عملي يكشف أن المال العام ما زال يُدار بعقلية الامتيازات لا بعقلية الإصلاح.
إن وزيرة الاقتصاد، بصفتها الحارسة على مالية الدولة، مطالَبة اليوم بتقديم القدوة لا بإلقاء المحاضرات. فالتقشف الحقيقي يبدأ من الأعلى، لا من جيوب المواطنين الذين يدفعون ثمن سوء التدبير وتناقض الخطاب مع الممارسة.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل تجرؤ الوزيرة على إخضاع وزارتها لذات معايير الصرامة التي تفرضها على الآخرين؟
أم أن “التقشف” سيظل مجرّد شعار جميل يخفي وراءه واقعًا مترفًا يُموّل من أموال الشعب؟
تحدثنا الوزيرة في كل مناسبة عن ضرورة فرض الصرامة المالية وتقليص نفقات الوزارات والمؤسسات العمومية، لكنها تغضّ الطرف عن الإنفاق المبالغ فيه داخل وزارتها. فالإفطار الرسمي للوزيرة، على سبيل المثال، تصل كلفته اليومية إلى نحو 2500 درهم، ناهيك عن الصفقات المتكررة التي تبرم بانتظام لتغطية تكاليف المؤتمرات، وتنظيم التظاهرات، واستئجار السيارات الفاخرة. وفي الوقت نفسه، تُمنع باقي القطاعات من صرف أي درهم إضافي إلا في حالات “الضرورة القصوى”.
هذه المفارقة الصارخة تطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن لوزارة يُفترض أن تكون القدوة في ترشيد المال العام أن تتحول إلى عنوان للهدر المالي والازدواجية؟
الجواب يكمن في الثقافة السياسية والإدارية التي ترسخت في المغرب منذ عقود، حيث يتحول خطاب التقشف إلى أداة ضغط على الفئات الضعيفة والإدارات الصغيرة، بينما يظل كبار المسؤولين في مأمن من أي محاسبة أو مراقبة حقيقية.
الأخطر من ذلك هو استمرار الصفقات المشبوهة مع شركات محددة تُمنح لها العقود بشكل منتظم، في تجاهل صارخ لمبدأ المنافسة وتكافؤ الفرص. هذه الممارسات تكرّس الانطباع بأن “التقشف” ليس سوى شعار إعلامي لتجميل صورة الحكومة أمام الرأي العام، في حين تُستعمل الميزانيات العمومية لتغذية دوائر النفوذ والمصالح الخاصة.
في ظل هذه الصورة، يصبح المواطن المغربي محاصرًا بين خطاب رسمي يدعوه إلى التضحية والصبر باسم المصلحة الوطنية، وواقع عملي يكشف أن المال العام ما زال يُدار بعقلية الامتيازات لا بعقلية الإصلاح.
إن وزيرة الاقتصاد، بصفتها الحارسة على مالية الدولة، مطالَبة اليوم بتقديم القدوة لا بإلقاء المحاضرات. فالتقشف الحقيقي يبدأ من الأعلى، لا من جيوب المواطنين الذين يدفعون ثمن سوء التدبير وتناقض الخطاب مع الممارسة.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل تجرؤ الوزيرة على إخضاع وزارتها لذات معايير الصرامة التي تفرضها على الآخرين؟
أم أن “التقشف” سيظل مجرّد شعار جميل يخفي وراءه واقعًا مترفًا يُموّل من أموال الشعب؟
