"قوانين تحت جنح الرياضة": كيف تمرر حكومة أخنوش تشريعاتها الجدلية بعيداً عن صخب النقاش العمومي؟

لم يعد خافياً على المتتبع للشأن السياسي المغربي أن حكومة عزيز أخنوش قد اختارت، منذ اللحظات الأولى لولايتها، نهجاً تشريعياً يتسم بالسرعة المفرطة وسياسة "الأمر الواقع"، فارضةً إيقاعاً يهمش النقاش العمومي ويضع أكثر من علامة استفهام حول مدى الالتزام بروح الوثيقة الدستورية وقواعد الممارسة الديمقراطية السليمة. هذا السلوك الذي يصفه منتقدون بـ "التغول العددي"، بات يثير قلقاً متزايداً حول مستقبل التعددية السياسية ودور المؤسسات الرقابية في البلاد.

السرعة التشريعية مقابل جودة الإصلاح ما يشهده البرلمان المغربي اليوم، بغرفتيه، يراه مراقبون سباقاً محموماً لتمرير حزمة من القوانين دون اكتراث حقيقي بتحفظات المعارضة أو انشغالات المجتمع المدني. لقد تحولت الأغلبية العددية من أداة لضمان الاستقرار الحكومي إلى وسيلة لفرض اختيارات أحادية، يرى الكثيرون أنها ابتعدت كثيراً عن وعود "الإصلاح" التي رُوج لها إبان الحملات الانتخابية. والأخطر من ذلك، أن بعض هذه النصوص القانونية لا تكتفي بافتقارها للنفس الإصلاحي، بل تسير في اتجاه معاكس يمس بالحقوق والحريات ويضيق من هوامش الفضاء العام، مما يفرغ المؤسسات الدستورية من أدوارها التشاركية.

قانون الصحافة.. الشجرة التي تخفي غابة الانحراف يشكل قانون "المجلس الوطني للصحافة" المثال الأبرز لهذا الانحراف التشريعي؛ فقد مرّ هذا النص بسرعة أثارت ريبة الفرق البرلمانية المعارضة، التي لم تجد بداً من الانسحاب من جلسات التصويت بمجلس المستشارين رفضاً لما وصفته بـ "المهزلة التشريعية". هذا القانون لم يُنظر إليه كإجراء تنظيمي فحسب، بل كرسالة سياسية مشفرة مفادها أن الحكومة تنظر إلى الجسم الصحافي كعبء يجب "ضبطه وتطويعه" لا كشريك في البناء الديمقراطي، وهو ما يهدد آخر قلاع التعبير الحر في البلاد.

استراتيجية "التوقيت الذكي": التشريع في ظل الأهداف يثير توقيت تمرير هذه القوانين الثقيلة تساؤلات جوهرية حول "هندسة الصمت" التي تتبعها الحكومة. فبينما ينشغل الرأي العام المغربي بمتابعة شغف الملاعب وتفاصيل منافسات كأس أمم إفريقيا، تُمرر نصوص قانونية مثيرة للجدل بعيداً عن وهج النقاشات الكبرى. هذا الرهان على "الاستغراق الرياضي" للمواطن لتقليص التكلفة السياسية للقرارات الحكومية، يُعد، بحسب مراقبين، نوعاً من استغلال اللحظة الوطنية لتمرير أجندات تشريعية تفتقر للإجماع.

المسؤولية الجماعية وأفق 2026 إن المسؤولية عن هذا "العبث التشريعي" لا تقع على كاهل رئيس الحكومة وحده، بل تمتد لتشمل الأحزاب الثلاثة المشكلة للتحالف الحكومي، التي تتحمل وزر تراجع منسوب الثقة في المؤسسات الدستورية. وأمام هذا الوضع، بدأت تتعالى أصوات تدعو لتقليص الخسائر الحقوقية والديمقراطية عبر التعجيل بنهاية هذه الولاية، أو على الأقل الاستعداد لمحطة 2026 كفرصة أخيرة لتصحيح المسار.

يبقى الرهان الحقيقي في الاستحقاقات المقبلة هو قدرة الناخب المغربي على استعادة وعيه السياسي وتحويل "حماس المدرجات" إلى "وعي بصناديق الاقتراع"، لمحاسبة من اختاروا تمرير القوانين ضد مصلحة المواطن في لحظات انشغاله بمباريات كرة القدم، فبينما تُسجل الأهداف في الملاعب، تُخشى الخسائر الكبرى في ميادين الحقوق والحريات.

إرسال تعليق

الانضمام إلى المحادثة

الانضمام إلى المحادثة